التعليم بالقدوة
يستطيع السيكلوجي أن يقول: إن الطرق التي نعامل بها الخدم في بيوتنا هي أسوأ تدريب لأبنائنا على العنف والبطش والاندفاع العاطفي، ذلك أن السيدة تضرب الخدم أكثر مما تناقشهم، وتندفع في غضب عاطفي إلى سبهم بالكلمات النابية، وإلى إيذائهم بالدفع واللكم.
وهذه السيدة نفسها تعلم أبناءها الرفق والمجاملة والتعقل، ولكن هذا التعليم بالكلمات والنصائح ينهزم أمام القدوة، حين تقف أمامهم وهي كالمتوحشة تسب وتضرب.
ولذلك ينشأ الصبيان وقد حفظوا ما تعلموه بالقدوة، ونسوا ما تعلموا بالكلمة والنصيحة.
لأن القدوة كانت أثبت في نفوسهم وأرسخ في وجدانهم، فهم يقتدون بأمهم ويعاملون الأقارب والغرباء في المجتمع بالأسلوب العاطفي، فيستسلمون للغضب الأعمى، ويبصقون السباب، ويبطشون لأقل استفزاز، وعندئذ ينفر منهم الناس أو يصدون عنهم كارهين عازفين عن سلوكهم، وما أحرى الأمهات بأن يعاملن الخدم بالرقة واللطف والرفق؛ لأنهن إنما يعلمن أبناءهن السلوك الحسن بهذه المعاملة؛ إذ ليس أفعل من القدوة في الصغار؛ لأن من شأن الصغير أن يقتدي بالكبير، وخاصة إذا كان هذا الكبير أمًّا لها قوة الإيحاء والتوجيه، وملايين الكلمات من النصح لا تجدي أمام المثال العملي الذي يجده الصبي في سلوكها مع خدمها.
والبيت هو المدرسة الأولى، بل يكاد يكون المدرسة الوحيدة للتربية، ونعني التربية ولا نعني التعليم، وأفضل أنواع التربية هو القدوة، فنحن نأخذ عن أمهاتنا الأسلوب الذي نعامل به أفراد المجتمع، وبعض هذا الأسلوب ينغرس في نفوسنا ونحن صغار مما نرى من معاملة أمهاتنا للخدم.
ولهذا نناشد السيدات الرفق والتعقل في معاملتهن لخدمهن، وإذا لم يكن عندهن من الإنسانية والبر ما يحملهن على ذلك، فليكن لهن من الأنانية والحب لأطفالهن ما يبصرهن بمستقبل هؤلاء الأطفال.