التوسع في الثقافة
من الأخبار الصغيرة الخطيرة التي يجب أن نوجه النظر إليها؛ ما ذكرته إحدى الصحف الأوروبية من أن شركة شل للبترول في هولندا قد منحت كلًّا من موظفيها المتخصصين للأبحاث العلمية في مادة البترول مئتي جنيه كل عام فوق رواتبهم، ولكنها شرطت على الموظف أن ينفق هذا المبلغ في أية دراسة أخرى بحيث لا تتصل بموضوع التخصص الذي يقوم به؛ أي: أنه يستطيع أن ينفق هذا المبلغ على دراسة التاريخ أو الفلسفة أو البيولوجية أو الفلك أو غير ذلك.
وقد انتهت الشركة إلى هذا القرار؛ لأنها وجدت أن التفكير الذي يثمر الابتكار والكشف لا يأتي عادة إلا من أولئك الذين يخرجون من المحيط الضيق الذي يقتضيه التخصص إلى الآفاق الواسعة في العلوم الأخرى التي لا تمت بأية علاقة إلى مادة تخصصهم، ذلك أن المتخصص الذي يدرس نقطة معينة يجد في الدراسات الأخرى من الاتجاهات ما يتفاعل مع موضوع بحثه، فتختمر عنده الأفكار وتنضج وتُثمر تصورًا جديدًا لم يكن يصل إليه لولا هذه الدراسات الأخرى.
وما أجدرنا أن نفهم العبرة من هذا الخبر الصغير، فإنه يجب على الطبيب أن يدرس الطب والتاريخ، ولو أن المهندسين الذين أقاموا الخزانات للري في بلادنا وشقوا القنوات، ووفروا الماء للزراعة عرفوا الطب لما تفشت الانكلستوما والبلهارسيا.
يجب أن نتوسع في آفاقنا الفكرية كي نزيد فهمًا للبؤرة الدراسة التي نتخصص فيها، وأيضًا كي نستمتع بالاتزان النفسي والذهني الذي يحد التخصص منه.
وكثيرًا ما تحدنا الحرفة كما تحد القضبان الحديدية القطار الذي يسير عليها، حتى تعود حرفة الكسب كأنها سيرة الحياة، فلا نعرف من الدنيا غير حرفتنا، فهي مادة تفكيرنا، ومنتهى آمالنا، وطريقة معيشتنا، وعندئذ يُؤدي ضيق الحرفة إلى ضيق الحياة.
أي يجب أن نكون موسوعيين نحاول أن نعرف كل شيء، ونتطلع إلى كل أفق، نتعلم للحياة وليس للحرفة فقط.