اليقظة خير من النوم
يقال: إن بعض الحشرات، كالنمل، لا تعرف النوم؛ إذ هي تعيش حياتها كلها في يقظة، وليس بعيدًا أن يستغني الإنسان في المستقبل البعيد عن النوم، ويحيى حياته كلها.
وفي جسم الإنسان أعضاء لا تعرف النوم منذ تُولد إلى أن تموت، كالقلب، وسائر الأعضاء الداخلية، ولذلك لا نستبعد أن يتطور الإنسان في المستقبل نحو يقظة المخ أيضًا طوال الحياة، فنعيش ليلنا كما نعيش نهارنا، وتتضاعف بذلك أعمارنا.
والنوم هو بلا شك موت في جميع المعاني، إلا معنى التعفن، ولذلك هو خسار عند جميع الذين يكرهون أن يفقدوا وجدانهم ويحبون أن يبقوا على يقظة وفهم العالم.
ولكن الإنسان، لفرط ما قاسى من كوارث وآلام جعلت الحياة كريهة والوجدان مرهقًا، قد اخترع الخمور وغيرها من المخدرات؛ كي يلغي يقظته ويعطل وجدانه، ولم يخترع المنبهات الموقظة التي تجعلنا نستغني عن النوم أو نرتقي من الذهول والنعاس إلى اليقظة البهجة.
وقليل منا من يستطيعون أن يقولوا: إنهم عاشوا أربعًا وعشرين ساعة في يوم من أيام حياتهم، أو سهروا الليل كله، ورأوا القمر وهو بدر منذ بزوغه إلى الصباح، حين يسحر العالم بأشعته الشاحبة، وخاصة في الحقول حين نحس، وحين نتأمل السماء والأرض، إننا ذرة متصلة بهذا الكون، نجومه وكواكبه ومجراته.
وقليل منا من رأوا الفجر قبل أن ينبثق، حين يعم العالم ظلام أبيض، وحين يصل بيننا وبين السحاب هواء رخيم يكاد يتميع من الرطوبة، ثم لا نزال في هذا السهر إلى أن يلتهب الشرق بأنوار الشمس، وفي هذه اللحظات تنزع النفس إلى الخشوع والصلاة، وكأن القلب يقول: آمين!
أجل، إننا ما دمنا نعيش يجب أن تكون حياتنا يقظة متنبهة بعيدة عن الذهول، ويجب أن نتصل بالطبيعة اتصال بالحب، وأن تكون بيننا ومواعيد سرية في الساعة الثالثة أو الرابعة من الصباح، فنغرد معها، ونتحدث إليها في همس حديث النفس المبتهجة بالحياة …