الاهتمامات تمنع الغوايات
الاهتمامات تمنع الغوايات؛ لأن الشاب الذي يهتم بالأدب أو السياسة، أو الذي ينعم بهواية تشغل ذهنه وتملأ فراغه، لا يستطيع أن يفكر في الغوايات التي يقع فيها غيره الذي يجد في بطالته سأمًا يبعثه على التخلص منه بالعادات السيئة.
ذلك أنه ليس شيء أسوأ من البطالة: بطالة الجسم التي تُؤدي إلى الترهل، وبطالة الذهن التي تؤدي إلى اسأم، وكثيرًا ما أتأمل إحدى سيداتنا حين تنغمس في القيل والقال، وتجرح بلسانها إحدى السيدات أو الآنسات، فأجد في النهاية أن الذي أوقعها في هذه العادة بطالتها وسأمها، ولو أنها كانت تشغل فراغها بهواية ما، كالقراءة أو التطريز أو نحو ذلك، لما وقعت في القيل والقال.
وأحيانًا أجد شابًّا لم يبلغ الخامسة والعشرين، وهو مع ذلك يدخن ويسرف في شرب القهوة أو الشاي، لا لشيء إلا لأنه قد سئم حياته الفارغة، ولم يعرف بِمَ يهتم.
وقد بلغت أنا السبعين ولم أعرف التدخين، ولا أكاد أعرف سببًا لذلك إلا أني اهتممت بالقراءة منذ المراهقة، فصارت هوايتي التي تشغل فراغي.
وفي هذه الدنيا آلاف الأشياء التي يجب أن يهتم بها الشاب، بل يستطيع أن يجد فيها هوايته التي تملك قلبه وعقله، والتي تهيئه بمهارة تجلب له الاحترام من أقرانه وتنيله السعادة، وتحول بينه وبين العادات السيئة.
علينا جميعًا أن نشتغل كي نملأ فراغنا، ونكسب عيشنا، ولكنا حتى إذا لم نكسب عيشنا فإننا يجب أيضًا أن نشتغل حتى لا تترهل أجسامنا وعقولنا، وحتى لا ننحدر إلى الغوايات المؤذية.
وخير لسيدة البيت التي يتوافر لها الخدم أن تُؤدي بنفسها بعض الواجبات المنزلية، من مسح وغسل حتى لا يترهل جسمها بتراكم الشحم، فإني كثيرًا ما أجد أن قوام الخادمة أجمل من قوام سيدتها؛ لأن الأولى كانت تعمل وتجهد، فلم تترهل، في حين أن الثانية قد قنعت ببطالتها والتزمت القعود والركود فسمنت وترهلت.
ثم يجب أن تشغل عقلها بالمفيد من القراءة بدلًا من التفكير العقيم والتسلية بالقيل والقال.