الموت إكليل الحياة
كان جورج هربرت يقول: «يجب أن نعيش كما نحب أن نموت».
وذلك أن أيام الموت التي تطول أو تقصر هي أيام التأمل والمراجعة، فإن كلًّا منا يقلب صفحات حياته الماضية فيقف عند الصفحة المضيئة بالشرف والشهامة، وهو فرح بما أنجز من عمل، راضٍ عما أتم من خير، كما يقف عند الصفحة القاتمة وهو ساخط نادم، حين لا يجدي سخط أو ندم، وساعة الموت هي الساعة التي يحكم فيها الناس لنا أو علينا، فكأننا نسمع من وراء الغيب كلمة الثناء أو كلمات اللعنة.
والموت هو بهذا المعنى «إكليل الحياة»، فإذا عشنا ونحن نحسب للموت فإننا نعيش ولنا آمال من الشرف وأهداف من المجد، فنسير سيرة الصلاح بين الناس، وسيرة الشهامة التي تربأ بنا عن الدنس والخسة، فلا نرضى بأن نعيش تلك الحياة التافهة، حياة الزبد الذي يذهب جفاء ولا يمكث في الأرض بعد وفاتنا.
إننا نعيش سبعين أو ثمانين سنة على الأرض، ولنا ساعة أخيرة يقال لنا فيها: أحسنتم أو أخطأتم، بل نحن نقول هذه الكلمة؛ لأنفسنا، ونحن نجيب عليها في فرح وغبطة، أو في حزن وأسى، فيجب أن نعيش حياتنا بحيث نجيب في هذه الساعة الأخيرة إجابة الفرح والغبطة.
وإنما نفرح ونغتبط إذا كنا قد بنينا شخصيتنا، وأنتجنا للمجتمع الذي عشنا فيه أكثر مما استهلكنا منه، إنتاج المال أو الثقافة أو الأخلاق، ثم سرنا السيرة الصالحة التي اقتدى بها غيرنا فصلح، ووقفنا مواقف الشهامة أمام الأنذال والظالمين، ونصبنا؛ لأنفسنا أهدافًا من المجد والشرف، إذا لم نكن قد بلغناها فلا أقل من أننا قد جهدنا لبلوغها.
لمثل هذا يجب أن نعيش ويجب أن نموت … نعيش حياة كأنها قصيدة مليئة بالمعاني، حافلة بالبلاغة نترنم بأبياتها ساعة الموت.