الضمير الاجتماعي
من التعابير المألوفة أن يقول أحدنا: إنه ليس لهذا الرجل ضمير، وإنه بذلك لا يُبالي أن يقترف أية جريمة، ولكن الصحيح أن لكل منا مهما بلغ فساد ضميره، ضميرًا، حتى المجرم له ضمير شخصي؛ أي: أنه يقتصر على مصالح شخصه، ولكن الضمير العام بين الناس هو الضمير العائلي؛ إذ إننا جميعًا نتجاوز مصالحنا الشخصية إلى مصالح زوجاتنا وأولادنا وإخوتنا.
وليس لنا فضل في هذا الضمير العائلي؛ لأننا ننتظر من أعضاء عائلتنا مثله، أو نحن نستمتع بما يشبه الاقتناء والامتلاك حين نرعى مصالح أبنائنا وبناتنا وزوجاتنا.
وقليل منا من يمتازون بالضمير الاجتماعي، أولئك الذين يفكرون في الأغراب والبعداء ممن لا تربطنا بهم قرابة أو صداقة، وهذا الضمير يحتاج إلى تربية وثقافة، ولذلك نراه على يقظة وحيوية في الأمم المتمدنة، وعلى سبات وتخدر في الأمم التي رزحت قرونًا تحت الطغيان والاستبداد، وعاشت قرونًا في الفاقة والذلة حتى صار هم كل فرد أن يقول: أنا وحدي أو على الأكثر أنا وأولادي.
وقد أثمر الضمير الاجتماعي في أوروبا إصلاحات سامية؛ مثل: منح المسنين الذين يبلغون الستين معاشات، ومثل: منح المتعطلين أجورًا وقت تعطلهم، ومثل: منح الحوامل أجورًا وهن مرتاحات بالبيت نحو شهر قبل الوضع وشهر بعده، ومثل تعويض المعتوهين من عاهاتهم، ومثل: التعليم بجميع مراحله بالمجان، ومثل: المعالجة المجانية بالمستشفيات؛ هذا هو بعض مظاهر الضمير الاجتماعي في أوروبا.