الدين للتوفيق لا للتفريق
ننشأ على تراث من التقاليد والاستعراضات التي تحملنا على أن نكره غيرنا ممن يخالفوننا في الدين أو المذهب أو اللون، أو حتى أحيانًا في اللباس، ونتعلم ونحن في الطفولة أو الصبا كلمات شوهاء، ليست للخير أو الصلاح، ولكنها للشر والفساد، فينبز أحدنا بها الآخر؛ لأنه يختلف عنه في هذه الأشياء التي ذكرنا، وقد بلغ هذا الاختلاف ذروته في الهند حين انقسمت الهندوكية طبقات لا يتزوج أحد فيهما إلا من طبقته، بل بلغ التعصب والاستعراض أن فرزت هناك طبقة سميت طبقة «الأنجاس أو المنبوذين» لا يجوز أن يمس أحد أفرادها أو أن يقع ظله على شيء؛ لأن نجاسته تنتقل إليه.
وقد كان هذا التعصب الطبقي في الهند صداع المصلحين، حتى إن «طاغور» الأديب الهندي الكبير قال ذات مرة: إنه يود لو أن زلزالًا يهدم جميع المعابد ويحطم جميع الآلهة الهندية حتى ينسى الهندوكيون ديانتهم التي فرقت بينهم؛ فيعودوا إلى ديانة جديدة تعمل للتوفيق لا للتفريق.
والمتأمل لحال فلسطين هذه الأيام يحس كأن الأديان قد جاءت للتفريق لا للتوفيق؛ لأن فلسطين قد «تهنّدت» بفضل الاستعمار الإنجليزي.
إن لكل أمة تقاليدها الحسنة، ولكن لها أيضًا تقاليدها السيئة في التعصب والاستعراض، والعالم في حاجة إلى دعاية بشرية جديدة؛ كي يعرف سكان هذا الكوكب أنهم بشر قبل أن يكونوا هندوكيين أو منبوذين أو مسيحيين أو مسلمين أو يهودًا أو زنوجًا أو بيضًا، وأنهم يستوون في الحقوق.
لقد كان غاندي يكافح عدوين: العدو الأول هو تقاليد بلاده التي حرمت على المنبوذين الحقوق البشرية، ولذلك فتح لهم المعابد، ثم جاء «نهرو» فعين واحدًا منهم وزيرًا، أما العدو الثاني فهو بالطبع هؤلاء المستعمرون الإنجليز.
وعلى كل شاب أن يتخلص من هذه الاستعراضات، وأن يعرف ويعلن أن وطنه ليس فوق الأوطان، وأن البشر سواء مهما اختلفوا في الدين أو المذهب أو اللون أو اللغة، وأن الإخاء هو ديانتهم الأولى.