سيطرة النفس على الجسم
ذكرت إحدى المجلات حادثًا فذًّا يدل على قوة النفس في السيطرة على الجسم، ذلك أن إحدى المريضات في مستشفى للأمراض النفسية دخلت هذا المستشفى وهي في السادسة عشرة من عمرها، وبقيت به إلى أن بلغت الخامسة والستين، ولكن من كان ينظر إليها كان يحسب أنها فتاة لا تزال في العشرين، لم يتجمد وجهها، ولم ينحن ظهرها، ولم يترهل لها بطن.
وكان أعظم سمة يتسم به مرضها هو اعتقادها أنها آنسة جميلة لا تزال في الشباب، وتغلغل هذا الاعتقاد في نفسها حتى صار عاطفة يتجه بها الجسم، وتعمل بها وظائفه، وكانت النتيجة أن جعل هذا الإيحاء جسمها في صحة الشباب.
ونحن نعبس بإيحاءات تصور لنا أنفسنا في صور مختلفة، وبعض هذه الإيحاءات سلبي، حين يتوهم أحدنا أنه مظلوم أو مريض أو سيئ الحظ، أو عاجز عن التخلص من عادة سيئة أو حين يأسف على الماضي أو يحزن على فرصة فاتته فيتوتر جسمه ونفسه، وهذا الإيحاء السلبي يُعين لنا صورة أو خيالًا حافلًا بالتعس والانحطاط تنتهي إلى إيذاء الجسم والنفس معًا، ونبلغ الشيخوخة ونحن في الأربعين، وتتسلط علينا الأمراض الوهمية التي تعود حقيقة بقوة العاطفة.
ولكن هناك إيحاءات إيجابية توحي الصحة والطمأنينة والابتهاج، تغلغل عواطف في نفوسنا فنعيش كتلك الفتاة في طرب الابتهاج ونشوة الفوز، وقد لا نبلغ ما بلغته؛ لأن الجنون قد أقام بينها وبين الواقع سدًّا كثيفًا فاستسلمت لخيالها، ولكن إذا نحن لم نبلغ ما بلغته فإننا على الأقل نستطيع بالإيحاء أن نجعل خيالاتنا عن أنفسنا حسنة، فنوحي أحسن الإيحاءات التي تتسلط على جسمنا وتوجهه التوجه السديد.
لقد دلت الإحصاءات في إنجلترا على أن هناك علاقة بين التعمير وبين الحرفة، وأعظم المعمرين في إنجلترا هم القسيسون، وذلك للطمأنينة التي يكتسبونها من العقيدة.
ونحن في ظروفنا الحاضرة نعمل بأعصابنا أكثر مما نعمل بعضلاتنا، حتى لقد قيل: إننا نسير مهمومين ونتحدث محمومين ونناقش غاضبين، ولذلك ينهار الجسم أمام أعباء النفس.