الحياء والخجل
الحياء من الفضائل الأنيقة السامية التي لا نعرف قيمتها إلا حين نفتقدها، ولا نجدها في أولئك الواغلين والوقحين والصاخبين والمستهترين، الذين يؤذوننا بوجودهم، ويخنقون جونا بأصواتهم وحركاتهم، الذين إذا ضحكوا قهقهوا، وإذا مرحوا أسرفوا وعربدوا.
ويجب لذلك أن يكون كل منا على شيء كبير من الحياء الذي يجعلنا نتحفظ في حديثنا، ونتصون في سلوكنا، فلا نفتات على الحقوق الصغيرة التي يتمتع بها غيرنا، ولا نتجرأ على التماس الألفة في غير موضعها.
ولكن هذا الحياء يستحيل إلى رذيلة، حين يكون خجلًا ملازمًا، يجعلنا على الدوام محجمين عن التعرف والحديث، نعتزل المجتمع بالصمت، حتى حين نكون بين أعضائه، ونكره الزيارة والاختلاط مع ما فيها من أنسة ورقي اجتماعيين.
وكم من شاب فاتته الفرص العظيمة؛ لأنه كان خجولًا لا ينطق ولا يتقدم إلا في مشقة وتكلف.
بل هناك من الشبان من يأسف على فرصة ذهبية ضاعت منه؛ لأن الفتاة التي طلب يدها وجدته خجلًا جامدًا فنفرت منه، أو لأن الرئيس الذي كان يزمع استخدامه قد وجده يرتبك ويتلعثم لفرط الخجل فرفض استخدامه.
والخجل يعد لذلك من أعظم أمراض الشخصية، ويجب على كل شاب أن يكافحه ويتخلص منه، بل كذلك يجب على كل فتاة؛ لأن الخجل يجمد شخصيتها فلا تعرف كيف تتلطف وتتظرف، وكثيرًا ما يحتبس اللسان لفرط الخجل، وقد يرتعش الشاب أو الفتاة الخجولان ويتصبب العرق منهما، وهذه حال تحتاج إلى العلاج بالمرانة على الحديث، بل بالمرانة على الخطابة في المجتمعات الصغيرة في الأندية مثلًا، وبعيد جدًّا أن يخجل شاب أو فتاة قد تعود الخطابة، ولذلك تُعد الخطابة من أنجع الوسائل لتكوين الشخصية.