غاندي زعيم الإنسانية
مات رجل في العام الماضي استطاع أن يكسبنا معنى جديدًا للإنسانية، ذلك هو غاندي.
فقد تعلمنا منه أن المجد أو العظمة أو السمو، أو ما يتبع هذه المعاني من الكلمات، ليست في القائد العظيم الذي يهزم الجيوش ويُدمر المدن، وليست في ذلك السياسي الداهية الذي يستولي على ثروات الأمم الصغيرة لمصلحة وطنه، وليست للثري الذي يقتني الثابت والمنقول من العقارات، وإنما هي لذلك الإنسان الذي يستطيع أن يعيش وهو يعرف كيف يستغني وليس كيف يقتني.
لقد عاش غاندي مستغنيًا لم يتقن سوى العنزة التي كان يشرب لبنها، والشملة التي كان يستتر بها، فلم يكن يكلف الأمة الهندية التي عاش لها، وحقق لها الاستقلال أكثر من جنيهين أو ثلاثة جنيهات في العام كله؛ أي: مقدار ما ينفقه رجل شبه ثري في اليوم في مصر أو غير مصر.
ونحن نقرن الحقارة إلى الفقر، ولكن غاندي كان عظيمًا مع فقره، وقد أغنى أمته وبقي هو فقيرًا.
وبذلك تعلمنا منه أن الرجل المهذب الذي يُفكر في الآفاق، ويهتم بالمشكلات الإنسانية الكبيرة، ليس هو ذلك الذي يزحم نفسه بالمقتنيات التي تستهلك وقته والتفاته، وإنما هو الذي يتخلص من هذه المقتنيات حتى يتفرغ لما هو أعظم منها شأنًا، مما يرقى به شخصيته وأمته ويزيد الخير في الدنيا وينقص الشرور.
وهناك مقاييس كثيرة نستطيع أن نقيس بها فضل الرجال، ومن أحسن هذه المقاييس ما اعتمد عليه «برنارد شو» حين قال: إن الرجل الفاضل هو ذلك الذي يعطي الدنيا أكثر مما أخذ منها، بحيث تزيد الدنيا ثروة أو علمًا أو حكمة يوم وفاته على ما كانت يوم ميلاده.
وقد زادنا غاندي حكمة، وتعلمنا منه أننا نستطيع أن نقاوم الشر بالخير، وأن نعيش بأقل الحاجات، فنحصل على الكرامة والعزة التي لا يحصل عليها أقوى الأقوياء.
وعلى كل شاب طموح، يسرف في الطمع والاقتناء، أن يذكر أن زعيم الهند، بل زعيم الشرف والخير، زعيم الإنسانية، لم يكن ينفق في العام على نفسه سوى جنيهين أو ثلاثة جنيهات، وأنه ترك لنا قدوته السامية كي نتأسى بها في القناعة.