القلق الموقظ والطمأنينة المخدرة
القلق متعب والطمأنينة مريحة، ولكن قد يكون القلق في ظروف كثيرة أشرف من الطمأنينة؛ إذ هو قد يبعث على اليقظة والتفكير والاهتمام في حين تبعث الطمأنينة على الركود والنوم.
قبل أن يخرج «قاسم أمين» كتابيه عن تحرير المرأة المصرية، كنا مطمئنين على المرأة، كما كانت هي راضية بما فرضته عليها التقاليد من الحجاب، ولم يكن أحد يهتم بتعليمها أو يُفكر في ضرورة مساواتها بالرجال، ولكن قاسم أمين دعا إلى سفورها وإلى تعليمها، فأثار القلق الشريف بيننا، وشرعنا نختلف في الرأي ونناقش، والآن بعد نحو خمسين سنة من هذه الحركة نجد ٦ آلاف طالبة في الجامعات المصرية، فضلًا عن آلاف الطالبات في المدارس الأخرى، ونجد السفور عامًّا والتمدن ينتشر بيننا.
ومثل هذه الحال تعم الفلاحين في أيامنا، فإن المصري البار الذي يدعو إلى رفع مستوى المعيشة في الريف، وإلى زيادة أجور الفلاحين وحقوقهم، يجابه بأن الفلاحين سعداء لا يطلبون شيئًا، وأنهم مرتاحون مطمئون إلى حالتهم.
ولكن المرأة المصرية أيضًا كانت مطمئنة قبل دعوة قاسم أمين، واطمئنانها لم يمنع هذا المصري العظيم من أن يقلقنا ويقلقها بدعوته الجديدة، دعوة النور والحرية، وكذلك يجب أن ندعو دعوة النور والحرية أيضًا، حتى لو لم يطلبها هو؛ لأنه لا يعرف قيمتها، ويجب أن نقلق أنفسنا وأن نقلقه حتى ينشد الرقي لنفسه.
إن القلق الموقظ أشرف من الطمأنينة المخدرة.