كلمات جديدة
هناك كلمات تُؤدي كل منها دلالة ترفعها إلى مقام الشعار الذي يعين السياسة أو الأخلاق أو السلوك، بل إنها لتعين برنامجًا تحيا به الدولة أو ينهج عليه الفرد في حياته ويستهدف به نبلًا وكرامة وسعادة.
ومن أحسن الكلمات التي شاعت في أوروبا هذه الأيام هذا الوصف الذي توصف به الدولة حين نقول: «دولة إيجابية»، فإن دلالة هذه الكلمة تزيد على المعنى المألوف من الكلمات؛ إذ هي شعار للدولة، ذلك أننا تعودنا على أن نطالب الحكومة بألا تتدخل في شئون الفرد أو المجتمع إلا بأقل مقدار، وكنا نقنع منها بتعميم الأمن، كأننا نؤثر أن تكون سلبية، فيما عدا الأمن، لا تُعنَى بالصحة أو التعليم أو نحو ذلك.
ولكن وصف الحكومات المصرية بأنها إيجابية هو تبدل كبير في معنى خصائص الدولة ومهمتها، فالدولة العصرية هي التي لا تقف سلبية مكتوفة، وتترك الحبل على الغارب للمباراة الاقتصادية حتى يأخذ الثراء والفقر مجراهما بلا عائق، وإنما هي التي تتقدم وتعمل وتفتح الميادين الجديدة لألوان كثيرة من النشاط، وليس التأميم الذي شاع في أوروبا إلا بعض هذه السياسة الإيجابية.
وهناك كلمة أخرى هي ما تُوصف به الحكومات الديمقراطية في أوروبا الغربية الشمالية حين نقول إنها «دولة خيرية»، فإن دلالة هذه الكلمة كبيرة جدًّا.
ذلك أننا كنا نصف الجمعية بأنها «خيرية» حين تُؤسس المدارس وتُعلم أبناء الفقراء بالمجان، أو حين تفتقد الفقراء وتتصدق عليهم، أو حين تنشئ المستشفيات، ولكن الدولة الخيرية تفعل كل ذلك، وأكثر منه هذه الأيام، فإن الحكومة الإنجليزية مثلًا تُعلم الشعب كله بالمجان، كما أنها تُعالجه بما يشبه المجان، وفي العام الأسبق أنفقت واحدًا وعشرين مليون جنيه اشترت بها طقوم الأسنان والسماعات والنظارات، ووزعتها كلها بالمجان على ضعفاء الأسنان والسمع والنظر.
هذا عمل خيري كانت تضطلع به الجمعيات قديمًا، أما الآن فإن الدولة الخيرية تضطلع به.
ولذلك يجب أن نستورد هذه الكلمات من أوروبا، وأن نحفظها ونستذكرها، حتى تلد الكلمة الفكرة وتلد الفكرة العمل.
يجب أن نستذكر الدولة الإيجابية، والتأميم، والدولة الخيرية، فإن هذه ليست كلمات فقط؛ إذ هي شعارات أيضًا، هي برامج تنادينا بالعمل والكفاح لتعميم السعادة ومحو الشقاء من بلادنا.