الناقصون في الذكاء
لا يمكن أن نصف رجلًا بالذكاء؛ لأنه أمضى حياته في احتيالات ومراوغات ومناروات لجمع مقدار باهظ من المال.
وإني أصف هذا المال الكثير بكلمة باهظ؛ لأنه يبهظ مقتنيه، فيشغله بأعبائه عن الكثير مما يجب أن يحيا له، والمعقول أننا نعيش، أقصى ما نعيش في المتوسط، نحو ثمانين أو تسعين سنة، وهذا العمر لا يحتاج إلى ربع مليون جنيه، والرجل الذي يرصد حياته لاقتناء هذا المبلغ، لا يختلف عن الرجل الذي يشتهي أن يأكل أرنبًا فيقتني خمسين ألف أرنب، أو هو يحتاج إلى السكر للشاي فيجمع ألف قنطار من السكر ثم يخزنها، أو هو يحتاج إلى سرير فيشتري مئة سرير.
ذلك أن حاجتنا في هذه الدنيا لا يمكن أن تحملنا على أن ننام في سريرين فضلًا عن مئة سرير، ولا أن نأكل خمس وجبات في اليوم فضلًا عن خمسين وجبة، ولا أن نتزوج عشر نساء فضلًا عن مئة، ثم أعمارنا لا يمكن أن تمتد إلى مئتي سنة فضلًا عن ألف سنة، وحتى عندما نفكر في تزويد الأطفال بشيء من المال، فإن ما يرثونه يجب أن يكون مقدارًا معتدلًا حتى لا يستنيموا إليه ويحجموا عن العمل والإنتاج اللذين يجعلانهم يحسون بأنهم أعضاء نافعون في المجتمع.
وإذن يجب أن نقول: الإسراف في جمع الثروة هو غباوة وليس ذكاء، أو بكلمة أخرى، هو اندفاع أو انسياق في القيم الاجتماعية السائدة دون الفحص الذكي عن حدودها.
وميزة الذكاء هي النظرة الشاملة لأي موضوع، هذه النظرة التي نقيس بها الأبعاد والأمداء في حياتنا.
•••
ويجب ألا ننسى هذه النقطة، وهي أن سمة الغبي هي النظرة الجزئية لأي موضوع، وأيضًا للحياة، وميزة الذكي هي النظرة الكلية لأي موضوع، وأيضًا للحياة.
النظرة الكلية، النظرة الشاملة، النظرة الاستيعابية، التي تستوعب الموقف كله، الحياة كلها هي نظرة الذكاء.
ما هي النظرة الشاملة للحياة؟
هي أننا نعيش نحو ثمانين سنة على هذا الكوكب، فيجب أن نختار أحسن ما فيه من القيم فنأخذ بها ونُعنَى باستكمالها.
وأكبر القيم في حياتنا هي الصحة، فيجب ألا نبخل بأي شيء لصيانة صحتنا؛ إذ هي الثروة الأولى التي لا يمكن الاستمتاع بأي ثروة أخرى بدونها.
أما الثروة الثانية فهي ذكاؤنا الذي يجب أن نغذوه بالثقافة المتوالية.
ومعنى هذا أن أهم ما نُعنَى به لأشخاصنا هو صحة الجسم وترقية الذهن.
ثم تأتي بعد ذلك القيم الأخرى؛ أي: الثروات التي يجب أن نقتنيها.
وفي نظامنا الحاضر نحتاج إلى المال، ولكن ثروة المال، التي نتعب في جمعها، يجب ألا تبهظنا سواء في التحصيل أو في الاقتناء، وقصارى ما نطلبه منها أن تكفينا نحو سبعين أو ثمانين سنة، ومن البلاهة أن نتعب ونلهث حتى نجمع ما يكفينا سبع مئة أو ثمان مئة سنة.
وهذا بالطبع مع التفكير المتزن فيما نتركه للأطفال.
ثم هناك الثروات الأخرى التي يجب أن نحصل عليها؛ العائلة، الأصدقاء، المجتمع، الإنسانية، الطبيعة، السياحة.
إن كل هذه ثروات لا يمكن أن يهملها الرجل الذكي.
ومما يجب أن نتنبه إليه أن الأخلاق جزء من الذكاء.
وثق أنه على قدر النقص في الذكاء يكون أيضًا النقص في الأخلاق؛ لأن الرجل الذكي يتناول حياته، فيما بين سن العشرين وسن الثلاثين، كما لو كانت أكبر وأخطر وأعظم الموضوعات التي يجب أن يدرسها، فهو يعين هدفه في هذه الدنيا ويعين أيضًا برنامجه للوصول إلى هذا الهدف.
وأنا أشك في ذكاء الشاب الذي لا يفعل هذا قبل أن يبلغ الثلاثين.