البساطة في الحياة فن
عندما نقول: إننا يجب أن نعيش المعيشة الفطرية، ونتوخى السذاجة البساطة؛ نجد أننا نقع في التباسات واشتباهات كثيرة، فإن الحيوان يعيش المعيشة الفطرية؛ أي: أنه يقنع بما تزوده به الطبيعة من طعام ومأوى، سواء أكان مخبأ في ديسه أو جحرًا في كهف، وليس هذا ما يقنع به إنسان، ولكن هناك المعيشة الفطرية التي يطلبها الفيلسوف أو الرجل الحكيم حين يستغني عن عشرات أو مئات الأشياء التي يقتنيها غيره فتببظه بعبئها وتكاليفها دون أن يقتنع بها.
ولذلك يجب أن نترك عبارة المعيشة الفطرية ونقول: إننا يجب أن نحيا الحياة الفنية ففي الفن البساطة، ولكنها بساطة تشبه «السهل الممتنع»؛ إذ هي ثمرة الثقافة العميقة التي استخلصنا منها أسلوبًا وهدفًا للحياة حتى استطعنا أن ننحي عنا كثيرًا من الزوائد والنوافل.
ونحن حين نقرأ قصيدة، ونعجب بأبياتها، أو حين نقرأ قصة ونُفكر في الأسلوب الذي اتخذه المؤلف، وفي الهدف الذي رسمه، نجد أنه إذا كان من الممتازين، قد ارتفع ببطله إلى صورة أو طراز هو في صميمه من فن الحياة.
فلم لا نُمارس فن الحياة؟ ولم لا يرتفع الشاب إلى أن يكون كذلك البطل الذي يقرأ عنه، ويُعجب به في القصص العالية.
هناك فنون كثيرة، كالرسم والبناء والنحت والموسيقى والغناء، وكلها فنون جميلة لا يعد الإنسان إنسانًا إلا إذا كان قد أحس بجمالها أو مارس بعضها، ولكن هناك فنًّا هو فوق هذه الفنون جميعها وهو «فن الحياة»؛ أي: ماذا أنت صانع بحياتك؟ ما هو الهدف الذي ترمي إليه من هذا العمر الذي قد يبلغ ٨٠ أو ١٠٠ سنة؟ ما هو بيت القصيد في هذا العمر؟ ثم أيضًا ماهو الأسلوب الفني الذي تتخذه كي تحقق هذا الهدف؟
قد يقال: إن الأسلوب هو الفن، و‘ن الهدف هو الفلسفة ولكن عند الرجل الحكيم الذي أينعت شخصيته يندمج الاثنان، بل ينعدم الثلاثة: الفن والفلسفة والحياة، جميعها شيء واحد والرجل الحكيم يصل إلى نوع من الحياة الفطرية، ليست حياة الضرورة الحيوانية، ولكنها حياة «لزوم ما لا يلزم» كما يقول المعري، حياة الفن العالي الذي نستغني به عن عشرات الأشياء، ولكنا نطلب أشياء لا يطلبها العاميون غير الفنيين.