وقف الثروة على الأبناء
من الحوادث الصغيرة التي تحمل في معناها الدلالة الكبيرة أن أحد الأثرياء في الولايات المتحدة قصد إلى محامٍ، وطلب إليه أن يحرر له وصية تكفل بقاء ثروته لأبنائه، ثم لأبنائهم وأحفادهم من بعدهم، خشية أن يبددها هؤلاء الأبناء والأحفاد، ثم يعيشون فقراء.
فسأل المحامي هذا الثري، ما هو عدد الأجيال التي تطمع في بقاء الثروة فيها؟ فأجاب الثري بأنه يرجو بقاءها في عشرة أجيال، فحسب المحامي عدد الجدود الذين يعد هذا الثري واحدًا منهم إلى الجيل العاشر، فوجد أنهم يقاربون خمس مئة جد فقال له: ماذا يهمك أن تكون واحدًا من خمس مئة جد حتى تُعنَى هذه العناية بالجيل العاشر؟
- والعبرة الأولى: لهذه القصة أن العناية بمستقبل الأبناء يجب أن تقف عند حدود لا تتجاوزها إلى السخف، بحسبان أن المستقبل يمكن أن يرتهن للأبناء والأحفاد.
- والعبرة الثانية: أن الإخاء البشري ليس من الفكرات الفلسفية التي يتسلى بها المؤلفون والكُتَّاب، وإنما هو حقيقة بيولوجية، فليس في مصر الآن رجل أو امرأة لا ينتسب إلى ملوكها قبل ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف سنة، وليس في مصر الآن رجل أو امرأة لن يكون جدًّا أو جدة لجميع الملايين التي سوف تعيش بعد خمس مئة عام، إلا إذا أضرب عن التناسل، وتستطيع أيها القارئ أن تحسب هذا الحساب في بضع دقائق، وتستطيع أن تستنتج وتتحقق أن الأمة المصرية كلها عائلة واحدة، بل ماذا أقول؟ إن النوع البشري كله عائلة واحدة.
إن الإخاء البشري في الأخلاق ينهض على أخوة بشرية في البيولوجية.