وقت من ذهب ووقت من تراب
ليس شيء أدعى إلى الحسرة والألم من رؤية الشاب وهو قاعد في المقهى يتثاءب أو يتطلع إلى المارة من رجال ونساء كأن عقله خواء لا يجد مما يشغله شيئًا من مهام هذه الحياة، وتزيد الحسرة والألم عندما نجد أنه قد استعان بشاب آخر، وقد قعد كلاهما يلعبان أحد ألعاب الحظ، فيقضيان وقتهما في قتل الوقت.
وتزيد الحسرة أكثر وأكثر عندما أسأل أحدهما عن قيمة هذه اللعبة مستنكرًا، فيجيبني بأنه لا يلعب للنقود وإنما يلعب للتسلية، كأن ضياع قرش من نقوده أغلى عليه من ضياع ساعة من حياته، مع أن القرش يمكن أن يُسترد، أما الساعة فلن تُسترد.
وهؤلاء الشبان يعيشون في سأم قد أحدثته لهم الحياة الخاوية، ولذلك يفرون من هذا السأم إلى أنواع من التسلية ترفه عنهم.
وليس بعيدًا أن يقعوا بعد ذلك في المنكرات المدمرة من باب الترفيه أيضًا.
والمرض الأصلي الذي يشكوه هذا الشاب الأجوف، من حيث لا يدري، هو أنه لم يعن في الماضي بتثقيف عقله، ورأسه لذلك كالغرفة العارية، ليس بها أثاث يشغل فراغها، ولذلك لا يهتم بقراءة الجريدة، ولا يقتني كتابًا، ولا يسأل عن المشاكل السياسية والاجتماعية، رأس خلو يتعلق بما يسليه كي ينفض عنه السأم فقط، ولو كان ذلك بأكل اللب أو لعب النرد أو الورق أو التطلع إلى المارة أو التحدث بالقيل والقال، وعندما يصل هذا الشاب إلى الشيخوخة لا يجد أمامه غير اليأس، فهو يتعفن في وحدته النفسية والذهنية إلى أن يبلى فيموت.
لهذا يجب على كل شاب أن يثقف عقله، ويهتم بالجريدة والكتاب، كما يجب عليه أن يرتفع بلغته إلى المعاني الدقيقة السامية التي تحول بينه وبين التبذل الرخيص من الكلمات التي كثيرًا ما تجره إلى أخلاق مبتذلة رخيصة.
يجب أيها الشاب أن تثقف عقلك وتصقله حتى تجعله غاليًا عزيزًا، وليس رخيصًا مبتذلًا.