لنعش كي نربي أنفسنا
ما هو أحسن وأعظم ما نبلغه من الحياة.
قد يقول أحدنا: إنه الصحة، أو المال، أو الجاه، أو الثقافة. ولكل واحد من هذه الأشياء قيمة، ولكن أكبرها قيمة عندي أننا نجد في الحياة تربية؛ لأننا بما يمر بنا من الحوادث والاختبارات والمتع والمحن، نزداد فهمًا للدنيا وتعمقًا لمشكلاتها.
فنحن نتعلم في المدرسة أو نتخرج في الجامعة، ولكننا في النهاية لن نجد شيئًا يعلمنا أكثر من اختباراتنا، ولن نبلغ الحكمة إلا إذا خرجتنا الحياة نفسها بما نمارسه فيها وننتفع به، ولو كان هذا من الكوارث التي حزت في أجسامنا أو في نفوسنا.
ولذلك يجب أن نعيش حياتنا بروح المتعلم الذي يبغي زيادة في الفهم، وأن نجعل هذا الفهم أعظم من الصحة، والمال، والجاه، والثقافة؛ لأن كل هذه الأشياء تحمل في طياتها ألوانًا من الغش، فالصحة قد لا تكون أكثر من القوة العضلية الحيوانية، وقد يكون المال وفرة مرهقة لا تحررنا بل تقيدنا، وقد يكون الجاه عبسًا وغطرسة، كما قد تكون الثقافة دجلًا لا قيمة له.
ولكن الفهم الذي يستخلص الحقائق من المعارف يزيدنا إنسانية، ويرفعنا فوق كثير من الأوهام الاجتماعية، ويقرر لنا قيمًا وأوزانًا من السعادة أو الشرف لا يمكن أن نصل إليها إلا بذكاء العقل المدرب الذي جعل من الحياة مدرسة كثيرة الاختبارات والتجارب.
والرجل الحكيم هو الذي يجعل حياته تربية له، وعلى هذا الأساس أخرجت كتابي «تربية سلامة موسى»، فإن هذا الكتاب هو تاريخ حياتي التي أنظر إليها من زاوية معينة هي؛ كيف حققت تربيتي منها، وقد يجد القارئ أخطاء كثيرة في الأسلوب أو التفاصيل، ولكني لا أظن أنه يستطيع أن يخالفني في الهدف، وهو أن الحياة تربية تزيدنا وجدانًا وفهمًا، أو يجب أن تكون كذلك.
وما أحرى الشباب بأن يهدفوا إلى هذا الهدف، وهو أنهم يعيشون كي يربوا أنفسهم، وكي يزيدوا فهمًا للدنيا، وأن خريج الحياة خير من خريج الجامعات.