شروط الرئيس ولسن للرجل المهذب
كان الرئيس ولسن من أعظم الرجال المثقفين في العالم، وهو مخترع «عصبة الأمم» وصاحب عبارة «تقرير المصير» التي أشعلت وطنيتنا في سنة ١٩١٩، ومؤلفاته وخطبه تعد نماذج للتفكير الخصب المثمر.
- (١)
أن يعرف تاريخ العالم منذ بداية الكون إلى الحضارة العصرية.
- (٢)
أن يعرف تاريخ الأفكار السائدة، كالدستور والحرية والاشتراكية والنقابة وحرية المرأة والديمقراطية والفاشية … إلخ.
- (٣)
أن يعرف علمًا من العلوم التجريبية.
- (٤)
أن يعرف لغته المعرفة التامة.
وهو بالطبع لا يذكر هنا المهارة الفنية التي يرتزق بها الشاب، فقد تكون هذه المهارة هندسة، أو طبًّا أو تجارة أو زراعة، وقد تتصل بالثقافة العامة أو هي تنحصر في ناحية منها لا يدري بها الجمهور، ولا يكون لها وقت في التطور الذهني للأمة، والصناعات تختلف هنا وتتفاوت في قيمتها الثقافية، فإن صناعة الصحفي أو المحامي تتصل بالعقل العام في الأمة وتؤثر فيه وتتأثر به، ولكن صناعة الساعاتي أو الطرزي ليست كذلك.
وغاية الثقافة أن تجعل الإنسان إنسانيًّا … أي: مشتبكًا في المشكلات البشرية: يدرس الهند وينشد استقلالها، ويُفكر في الطاقة الذرية، هل هي وعد أم وعيد؟ ويتأمل في حياة لنكولن محرر الزنوج، أو قصة الثورة الفرنسية أو تاريخ الكفاح الدستوري في إنجلترا، ويقرأ الجريدة أو المجلة عن فهم وتبصر بالعوامل التي تنشر الأخبار أو تخفيها وتمنعها.
والحق أن الشروط الأربعة التي ذكرها ولسون جديرة بأن تجعل الإنسان مثقفًا، والشاب المصري العادي قادر على أن يستوفي هذه الشروط حتى ولو لم يلتحق بجامعة، فإن المؤلفات العربية الشائعة تكفيه إذا هو أحسن الاختيار، وتحري الثقافة التي ينتفع ويرتفع بها دون كتب اللهو والتسلية التي لا يزيد مقامها على مقام اللب أو الفول السوداني الذي يقصد منه إلى قتل الوقت، بل كذلك يجب عليه أن يُعنَى باختيار المجلة أو الجريدة، بحيث يتوخى منها المعرفة المنيرة التي يرتقي بها.
وأول شرط وضعه ولسون للشاب المثقف هو أن يعرف تاريخ البشر منذ بداية التطور؛ أي: تاريخ الإنسان، وهذا الكوكب، منذ ألف مليون سنة، وهو جدير هنا بأن يحس، من هذا التاريخ، إحساسًا دينيًّا رفيعًا.
ثم عليه أن يدرس الافكار السائدة التي يسير بها العالم المتمدن؛ لأنه بذلك يصير هو متمدنًا، يدري القيم والأوزان للعوامل التي تقوم عليها الحضارة.
ثم عليه أن يعرف علمًا تجريبيًّا، مثل الكيمياء أو السيكلوجية أو الطبيعيات؛ لأن التقدم العلمي هو الذي يُهيئ السيادة للأمم السائدة، وهو الذي يجعل الرقي ممكنًا ويوفر الرفاهية، وليست الصناعات العصرية التي عممت الرخاء أو الثراء سوى ثمرة العلوم.
وأخيرًا يحتاج الشاب المثقف إلى أن يعرف لغته المعرفة الدقيقة؛ لأن التفكير لا يُستطاع إلا بالكلمات الحسنة التي تتيح التعبير الدقيق، فإذا كانت اللغة ناقصة، فالتفكير ناقص أيضًا.
فأين أنت أيها القارئ من هذه الشروط الأربعة؟
إن القراءة قد بسطت أمامنا آفاقًا جديدة، ولكن هذه الآفاق تحوي الربوات العالية التي نرتفع إليها والوهدات المنخفضة التي نهوي إليها، وهناك من الكتب والصحف ما يجرنا إلى أسفل ويُشغل أذهاننا بالتافه الخسيس، ولذلك يجب أن نختار ثقافتنا، وأن نتأنق في الاختيار، وننشد ما يرفعنا.