الأدب المتصل
من التعابير الجديدة التي تحمل معنى موقظًا هذا التعبير الذي شاع في فرنسا حديثًا، وهو قولهم: «الأدب المتصل» أو «الأدب المرتبط».
والمعنى المقصود أن الأدب يجب أن يتصل بالمجتمع، يُعالج مشكلاته بل ينغمس فيها، وأن الأديب يجب أن يكون مكافحًا يدوس المجتمع ويعرض لعيوبه ويدعو إلى التغيير والتطور، فليس الأديب هو الذي يُؤلف كي يسلي ويسري عن قرائه همومهم بالخيال الرائع والكلمات العذبة، وإنما هو ذلك الذي يحملهم على الاهتمام، ويخز ضمائرهم، بل يعذبهم، حتى يثير وجدانهم إلى المساوئ الفاشية وحتى يحسوا تبعاتهم فيهبوا إلى العمل للإصلاح.
وهذا المعنى هو الذي فهمه أدباء فرنسا حين رحلوا إلى إسبانيا مقاتلين للدفاع عن الحرية ضد الدكتاتورية قبل اثنتي عشرة سنة، وحين أصبحوا يكافحون في الجبهات السياسية داخل بلادهم.
وقد أدرك الكُتَّاب الفلسفيون ضرورة الارتباط بين الفلسفة وبين المجتمع، بل كذلك فعل رجال الدين، كما نرى مثلًا في أوروبا وأمريكا، فإن الدين هناك هو إصلاحات اجتماعية يُراد بها ترقية المجتمع، وقد نجح الدينيون في الولايات المتحدة فيما بين ١٩٢٢ و١٩٣٢ في منع الخمور، ومع أن التجربة أخفقت، ومع أن الحكومة قد عادت فأذنت بصنع الخمور وبيعها، فإن هذا المنع قد دل على أن رجال الدين يحسون الارتباط بين الكنيسة والمجتمع، أو هم يؤمنون بالدين المتصل أو بالدين المرتبط.
وخلاصة القول أن الأدب والفلسفة والدين، جميعها، تتجه في الأقطار المتمدنة إلى وجهة الارتباط بالمجتمع، وتعد إصلاح هذا المجتمع غايتها، ولهذا فإن الأديب والسياسي ورجل الدين يعدون مكافحين للإصلاح، على استعداد لأن يشتركوا وينغمسوا في جميع الحركات الشعبية التي تهدف إلى الخير والرقي.
وهذا تقدم يسجل لأبناء القرن العشرين، فإن الأدب لم يعد لهوًا كما لم تعد الفلسفة والدين يتيهان في الغيبيات والطلسمات.