البذاء في الشوارع
قبل شهور قليلة كنت على الترام، وكانت العربة مزدحمة بالركاب، وكثير منهم من السيدات والآنسات، فلما بلغنا أحد المواقف، سمعنا السباب القذر يتبادله أحد الباعة الجائلين مع آخر، وكان كثير من هذا السباب يتألف من الأسماء الفجة للأعضاء التناسلية، يُصرح بها كل منهما في صوتٍ عال ولذة حارة.
والتفت عندئذ إلى واحد من هذين المازحين المتسابين وأشرت عليه بأن هذه الكلمات فاضحة، وأن بالعربة سيدات وآنسات، فنظر إليَّ في استهزاء وقال: «إحنا بنقول أكثر من كدا يا أفندي.».
ولم أستغرب منه هذا الرد، ولكني أسفت لجمود القاعدين؛ إذ لم ينهض واحد كي يؤيدني في وقف هذا السباب، بل تركوني أقوم بمجهود منفرد لم يُؤثر في هذا البائع الجائل الذي سيعود ويعود إلى كلماته هذه في ظروف مماثلة في المستقبل.
إن على الشباب أن يغيروا هذا الجو الاجتماعي البذيء، وأن يبادروا إلى إسكات هؤلاء الذين يبصقون السباب من أفواههم، ولست أنكر أن الميدان الأول للتربية هنا هو ميدان الطفولة؛ لأن هذه الكلمات لا يُمكن أن يجري بها لسان إلا إذا كان قد تعلمنا في السنوات الأولى من العمر، ثم تبقى بعد ذلك إلى آخر العمر.
ولكن ليس في مقدورنا أن ندخل إلى البيوت ونُعلم الآباء حتى يُعلموا الأبناء، ولذلك يجب ان يقتصر جهدنا على الكف والزجر كلما لقينا هذا الغبار القذر في الشوارع.
ولن يستطيع الشباب أن يعيشوا في جو نظيف طاهر إلا إذا ساهموا هم في نظافته وطهارته.
والشارع هو ملك الجمهور الذي يحب أن يحرص على حقوقه فيه بأن يصونه من القذر، وقذر اللسان هو شر الأقذار.