الدكتور القديس
مات من مدة قريبة في الإسكندرية طبيب يوناني يُدعى سقراط لاجوزاكي، وقد بلغ الخامسة والسبعين من عمره، وقضى من هذا العمر السنين الخمس عشرة الأخيرة وهو يعاني مرض الجذام، ويرى بعينيه سريان هذا السم في جسمه يمزق أعضاءه ويبتر أطرافه ويهدده بالعمى التام والشلل العام.
وهذا بالطبع خبر عادي مألوف، ولكن ما يُستغرب فيه، وما يرفع هذا الرجل إلى مقام القديسين، أن سقراط لاجوزاكي هو نفسه الذي سعى وحقن جسمه بهذا المرض حتى سرت العدوى فيه وشرعت تأكل جسمه.
وليس بين الأمراض ما هو أبشع من هذا المرض، وهو، قبل كل شيء، مرض الفقراء الذين يعيشون في القذر ولا يجدون كفايتهم من العناصر الغذائية، لذلك ليس في أوروبا كلها، وهي أكثر من ثلاث مئة مليون، مجذوم واحد، ولكن في القاهرة وبكين وبومباي، الفقيرة، عشرات بل مئات.
وكان هذا القديس لاجوزاكي ينشد، عندما حقن جسمه، دراسة هذا المرض كما يحسه وكما يجد تطوراته أنه في تفتيت أعضائه وقيمة الأدوية والعلاجات المختلفة في التخفيف أو الشفاء منه، حتى يستطيع أن يهدي غيره من المجذومين إلى الوسائل الناجعة للتخلص منه.
وقد جرب جميع الأدوية فلم تنجع، ثم جرب دواء من الذهب واليود فوجد فيه التخفيف من المرض وإن لم يجد فيه الشفاء، واستطاع بهذا الدواء أن يقف سير المرض، ثم بعد ذلك صار ينفق أمواله على المجذومين المساكين في الإسكندرية؛ إذ كان يشتري لهم الدواء ويحقنهم به بالمجان.
ومات هذا القديس من مدة قريبة، ولكن صورته لم تعلق إلى الآن على جدران بيوتنا وكنائسنا، نستوحي منها الصلاح والشهامة والشجاعة؛ أي: القداسة، كما يجب أن نفهم معنى هذه الكلمة في عصرنا.