عيد شم النسيم
في كل عام تحتفل مصر بعيد من أعيادنا القومية هو عيد شم النسيم.
وما أعظم المعنى والدلالة في هذا العيد، فهو أول شيء عيد الجميع، بلا اختلاف في الأديان، وهو بعد ذلك عيد الربيع الذي تنهض فيه الحيوانات والنباتات من سبات الشتاء، ولذلك تحفل الحقول بالزرع النضر والزهر المتألق، كما يحفل الجو بنشاط الطيور.
ولهذا العيد اتصال بآلهتنا القديمة وكهنتها، الذين كانت مهمتهم الأولى أن يباركوا على الزرع ويعملوا لأنضاجه، وتعميم الخيرات على سكان وادي النيل بالقمح والشعير اللذين يحصدان بعد شهر أو نحو ذلك.
يجب أن نحافظ على تقاليدنا المصرية في هذا العيد؛ إذ هي تقاليد حسنة، تنبهنا إلى قيمة الهواء النقي في فسحة الحقول الزاهية؛ أي: يجب أن نبكر في الصباح، ونخرج إلى أنأى مكان، بعيدين عن جو المدينة وصخبها، فنقعد تحت ظل شجرة إلى مجرى الماء يحيط بنا الريف في سذاجته وجماله، وهناك نرقد قانعين بالتأمل في العام الجديد إزاء الأعوام الماضية، أو نهب ونمرح، كما لو كانت سني الطفولة قد عادت إلينا.
ولكن يجب أن نحترم هذا العيد الجميل، ونجعل منه عيدًا للورد والزهر، والنضرة والانتعاش، فلا ندنسه بأكل البصل والفسيخ كما تفعل الغوغاء من الأثرياء والفقراء، ولا نتخم فيه بغذاء ثقيل يضطرنا إلى النوم؛ لأن هذا اليوم هو يوم اليقظة للطبيعة، يجب أن نعيش فيه أحياء يقظين من ساعاته المبكرة إلى ساعاته المتأخرة.
وفي أول شهر مايو من كل سنة تحتفل أوروبا أيضًا بعيد الطبيعة الذي يُقابل شم النسيم عندنا، بل لعله هو نفسه شم النسيم قد انتقل إلى أوروبا في عصور غابرة، وقد أصبح هذا العيد عيدًا للعمال، ولكنه في الأصل عيد الطبيعة.
وفي هذا اليوم سننسى أحقادنا التي غرسها فينا المجتمع، وسنذكر شيئًا واحدًا، هو أننا بشر، نتحد في الفرح بالربيع، ونشم نسيمه، ويقول الناس بعضهم لبعض، مهما اختلفت مذاهبهم الدينية: هنيئًا هذا العام الجديد.