كيف نتعلم؟
كثيرًا ما يأسف بعض الشبان؛ لأن الظروف لم تتح لهم أن يحصلوا على تعليم جامعي، اعتقادًا بأن هذا التعليم كان يمكن أن يرفعهم إلى مستوى من الثقافة، وإلى قدرة على الكسب، لا يستطيعون الحصول عليهما؛ لأن تعليمهم قد بتر أو قطع قبل الشهادة الثانوية أو بعدها.
ولكن المتأمل يجد أن هذا القول لا ينبني على أساس، فإن القدرة على الكسب في مجتمعنا الحاضر لا تكاد تحتاج إلى تعليم؛ لأن المتجرين باللحوم أو الخضروات أو المنسوجات أو الطوب أو الخمور أو غير ذلك، يزيد كسب أحدهم على مرتب وكيل وزارة، بل أحيانًا على مرتب وزير، وهم في الأغلب غير متعلمين، ثم إن الثقافة ليست مقصورة على التعليم النظامي، ذلك أن التعليم الحقيقي، الذي يرفعنا إلى مستوى عالٍ من الثقافة، هو تعليم العمر كله، وليس تعليم المدرسة أو الجامعة، وتدل اختبارات جميع المثقفين البارزين على أن ما يعلمه لنا غيرنا صغير القيمة إلى جنب ما نعلمه نحن لأنفسنا.
وهناك أسباب سيكلوجية لذلك، أهمها أننا حين نُعلِّم أنفسنا إنما نطلب من المعارف ما نحتاج إليه، كما يطلب الجائع الطعام، فهو يحس حاجة فسيولوجية يعبر عنها اشتهاؤه لغذاء معين، ولا يستطيع أحد أن يختار له هنا مثلما يختار هو لنفسه، ومعنى ذلك أن المتعلم الذي يختار بباعث من نفسه يمتاز على ذلك الآخر، الذي يُعلِّمه غيره؛ لأن الأول يحس حاجة ذهنية لا يحسها الثاني.
ثم هو لهذا الإحساس يشتهي، فيقبل في حماسة، ويدرس، ويتعب، ولذلك ينبغ، أو أن النبوغ لا يكون بعيدًا عنه، ومن هنا يجب ألا يبتئس شاب قضت ظروفه الخاصة ألا يحصل على تعليم جامعي.
ولذلك أيضًا نجد أن المعلم الحسن ليس هو الذي يزودنا بالمعرفة، وإنما هو الذي يزودنا بالمنهج كي نعرف كيف نبحث ونُعلِّم أنفسنا، أو هو الذي يقدم لنا من المعارف تلك التي تثير استطلاعنا، وتبعثنا على البحث والدرس طوال أعمارنا.