يجب أن ننسى الماضي
هناك فرق أصيل بين الرجل الناجح والرجل الخائب، فإن الأول يفكر للمستقبل، ويتربص للفرص، ويجعل آماله برامج وبرامجه حقائق، وهو يحلم في يقظته ويرى رؤيا لشخصه، فما يزال يحاول تحقيقها حتى تتحقق، وهو يتخلص من ماضيه، فلا يذكر أن هذا الصديق قد أساء إليه، وأن هذا القريب قد غشه، وأنه كان يكون ثريًّا عظيمًا أو متعلمًا لو لم يخطئ أخوه أو أبوه أو نحو ذلك.
ومعنى هذا أن ميدان نشاطه هو المستقبل، وهو ينحي عنه الماضي، ويستمتع بحاضره، ويعمل لمستقبله في مرح وطرب وتفاؤل.
ولكن الرجل المخفق يذكر ماضيه، لا، بل هو يستذكره ويدرسه، كأنه قد فرض عليه أن يقف في محكمة للشهادة عن حوادثه، فهو يذكر لك قصصًا عن أولئك الذين غدروا به، وعن حماته التي أفسدت حياته الزوجية، وعن ابنه الذي تجرأ عليه، وعن صديقه الذي اقترض منه ثم لم يرد القرض، وهو إنما يستذكر كل هذه الحوادث وأمثالها؛ لأنه يتمحل بها لإخفاقه ويبرر بها ركوده، وهو في كل هذه الذكريات متشائم، حزين، حالك في حزنه، كأن الدنيا مسئولة أمامه قد وقفت في القفص ليُحاكمها.
بل إن هذا الفرق بين الناجحين والمخفقين من الأفراد ينتقل إلى الأمم، ففي الشرق أمم مشغولة، بل مجمدة، بماضيها لا تتقدم، وفي الغرب أمم مشغولة بمستقبلها، واثبة إليه دائبة في الاختراع، مفتحة العيون نحو الرقي والتطور.
ولست بذلك أنكر قيمة الماضي، فإننا يجب أن نذكره لاستخلاص العبرة والحكمة، وليس للتأسف والتنهد، أما المستقبل فهو ميداننا أو حقل التجربة لنشاطنا وحياتنا، وهذا الأمس الماضي الذي لم تمض عليه أربع وعشرون ساعة قد خرج من نطاق نشاطنا وابتعد عن حياتنا، وهو لا يختلف عن السنين التي سبقت بناء الأهرام أو ظهور الإنسان.
وعلى كل شاب أن ينسى حسراته ومآسيه في الماضي، وأن يرى رؤيا المستقبل، وأن يبني شخصيته وفق هذه الرؤيا، ويعين هدفه ويشرع في السير في نحوه؛ أي: يشرع، هذا اليوم، بل هذه الساعة، فيجعل أمانيه برامج وبرامجه حقائق.