ليس عندنا موسيقى
هاك خلاف قائم بين دعاة الوسيقى الشرقية ودعاة الموسيقا الغربية، وهذا الخلاف يبشر بالخير؛ لأنه يحث على البحث والفهم والدرس، وهو يقفنا موقف التساؤل من ماضينا ومستقبلنا، كما يرفع الفنون الجميلة إلى المقام الذي يجب أن تحتله في شئوننا الوطنية، وأيضا في النفس المصرية.
ومن رأينا أن مقاطعة الموسيقى الشرقية هي ضرورة في تطورنا الوطني الحاضر، ذلك أنها هي والغناء الذي يرافقها تراث سيئ من الرقص «البلدي» الذي قاطعناه والذي حظرته الحكومة، فقد كان كلاهما التعبير الإيقاعي، بالكلمة والنغمة، لهذا الرقص، وهما لذلك لا يزالان يحملان كل ما كان في هذا الرقص من إيماءات جنسية وضيعة.
ونحتاج إلى قليل من الشرح لهذا الرقص المحظور، فإن المرأة المصرية كانت في القرون الماضية تعيش في أسر الحجاب تُزين وتُزخرف وتخبأ، ولم تكن في هذه الحال إنسانة، وإنما كانت أنثى فقط، وأسرفت هي في هذه الأنوثة حتى جعلتها «مازوكية» أي خضوعا وتضرعا وتألما، وأصبح الرقص مقصورا على البغايا اللائي كن يمثلن هذه الأنثوية المشرقة، وكانت حركات هذا الرقص لا تزيد على أن تكون اتصالا جنسيا فنيا تبدي فيه المرأة تأوهاتها.
إننا لا نرضى أن تبقى موسيقانا وأغانينا تأوهات منغمة كانت تتناسق مع الرقص الذي ألغيناه، ولكنها لا تتناسب مع حياتنا الناهضة العصرية.
بل إني عندما أسمع رجلا يغني أحس أنه يقهر نفسه على اتخاذ أسلوب نسوي في الإحساس الفني، وتفسير ذلك واضح، وهو أن غناه إنما ينشأ في بيئة الرقص البلدي، فكان يتسارق ويتناسق، أي يتلاحن ويتناغم مع الحركات والتنهدات والتأوهات التي كان ذلك الرقص يقتضيها في المرأة، وقد كان الرقص مقصورا على المرأة، ولو أننا كانا قد علمنا هذا الفن للرجال لتغير الغناء والموسيقى إلى فن ملئ بالشهامة والقوة والنشاط.
في أوروبا يمنحون لقب دكتور للدارسين للموسيقى بعد سنوات في الجامعة، فهل نستطيع أن نتخيل أننا نعطي هذا اللقب لأحد المغنيين والموسيقيين في مصر؟ لا …
إننا نطلب الموسيقى الأوروبية؛ لأنها موسيقى النشاط والانتعاش، وهي تربية للإحساس وارتفاع بالنفس إلى الاقتحام.