لنكن أدباء وشعراء
الناس اثنان، فهناك الرجل الحيواني الشره، ومهمته اقتناء المال، ولكنه ينتهي بأن يقتنيه المال، ويحدد آفاقه، ويحصر تفكيره في الإثراء، أما الآخر فهو الفنان، الذي قد يفشل في المال واقتناء العقار، ولكنه يقتني لنفسه مسرات نفسية وذهنية تجعله يحس كأنه يقتني هذه الدنيا كلها، بل هذا الكون بأجمعه.
وعندما يصل هذان الاثنان إلى سن الستين أو السبعين نجد أن الأول كان ولا يزال «مرمطونًا» يعيش في المطبخ ويتحدث عن البقول واللحوم، في حين أن الثاني؛ أي: الفنان، قد صار أديبًا أو شاعرًا يستمتع بملذات أنيقة في شفق ملتهب أو نجوم خافتة أو فكرة ارستطالية أو طائر مغرد، وهو يجد الانتعاش الروحي والمذاق الفني في بيت من الشعر، وهو يحس صداقة مع المعري أو غاندي، وهو يفرح بالحياة فرح الأطفال؛ لأنه لم يشخ قط، وفوق ذلك تبقى نفسه سليمة؛ لأن المزاج الأدبي هو مزاج التفريج والتنفيس؛ أي: أنه لا يكظم.
أما طالب الثراء المادي، الذي يجمع العقار ويكظم كثيرًا؛ لأنه يخاف كثيرًا، وليس عنده وسيلة الفن والأدب والشعر للتنفيس، ولذلك كثيرًا ما تمرض نفسه.
اعتبر الليل أيها القارئ، فهو عند الأول ظلام يخفي الدنيا ويدعو إلى النوم والنسيان، ولكنه عند الثاني، الذي انتعش ذهنه بالشعر والأدب، ظلام يخفي الدنيا حقًّا، ولكنه يكشف عن الكون بنجومه؛ أي: شموسه وكواكبه، وهو كون يزيد على كواكبنا آلاف بل ملايين المرات، والقيمة الرمزية لهذا المثل واضحة، وهي أن ما يضيق به طالب الثراء المادي ينفسح أمام الأديب الفنان.
رؤية الأديب هي رؤية الطبيعة التي يستلزمها، والمعاني التي يستنبطها، والآفاق العظيمة المترامية من الحياة يتعمق حقائقها ويتوسع في معانيها، في حين أن ذلك الثرائي المادي الذي يجمع ويكتنز ويثري يحد حياته بحدود هذه المهام، وهو بذلك يحد استمتاعه ويحد رؤياه.
ثم تجد لذلك أن الأدب والشعر يكسبان حياتنا معنى ودلالة لنكن أدباء وشعراء.