آلة الراديو واسم الراديو
يقال أن ما أنفق على مجمع فؤاد للغة العربية منذ إنشائه إلى الآن (١٩٤٩) يبلغ نحو مئة ألف جنيه، وقد كان الهدف من إنشائه هو إيجاد الكلمات العربية «الصحيحة» للأسماء والكلمات الأجنبية التي استحدثها العلم العصري.
ثم هناك هدف آخر دائم يجب أن يبقى ماثلًا أمام المجمع، وأن يتجدد حتى بعد الانتهاء منه هو تأليف «معجم للغة العربية».
وليس شك أن هذا الهدف الثاني «الدائم» هو أعظم ما يجب أن يضطلع به المجمع، وهو ما يجب أن يُسأل عنه ماذا أتم منه؟ ومتى يُطبع ويُنشر بين الجمهور المثقف؟ فإن لغتنا العربية تخلو من هذا الأصل الذي يُبين لنا تاريخ كلماتها وتطور معانيها.
لذلك يجب أن نلح ونكرر الإلحاح في استعجال المجمع في إخراج هذا المعجم الذي ينيرنا عن اشتقاق لغتنا، فنكتب على دراية دقيقة بالمعاني، وهذا بالطبع غير «المعجم الشعبي» الذي لا يتوسع في تاريخ الكلمات، ولكنه يضع المعنى بإيجاز في التعبير واقتصاد في الشرح.
على أن المجمع لم يستطع إلى الآن على الرغم من إنفاق نحو مئة ألف جنيه أن يُخرج أحد هذين المعجمين، وهو، كما تدل على ذلك تقاريره ومطبوعاته، يلتفت كثيرًا إلى ترجمة المصطلحات العلمية بكلمات عربية «صحيحة».
وهذا مجهود نحب أن يبتعد عنه المجمع ابتعادًا تامًّا، ذلك أن الكلمات العلمية لا تنتمي إلى إحدى اللغات العصرية، فكلمات الطب مثلًا ليست إنجليزية أو فرنسية أو ألمانية، وإنما هي «طبية»، بحيث إن المهندس الإنجليزي، أو التاجر الألماني، أو الأديب الفرنسي، لا يعرفها، وإنما يعرفها طلبة الطب في القاهرة وباريس ولندن، وإذن فمحاولة المجمع ترجمة هذه الكلمات؛ أي: إيجاد كلمات عربية لها، إنما هي محاولة عقيمة، وهي زيادة على ذلك تقطع ما بين الطالب المصري واللغة الطبية العالمية، بحيث يتكلف مشقة جديدة كي يدرس الطب في لغة أجنبية.
ونزيد على ذلك أن هذا الاتجاه كله خطأ؛ لأن مصر لا تحتاج إلى أن تعرف اسمًا جديدًا للراديو، وإنما هي في حاجة أشد الحاجة إلى أن يدرس شبابها آلة الراديو، فنحن نحتاج إلى كتب علمية مفصلة، وأخرى شعبية يدوية تشرح لنا آلة الراديو وآلة الأتمبيل وآلة الميكرسكوب وآلة القاطرة، أما الأسماء فلا تهمنا كثيرًا، بل يهمنا أن نعرفها كما عرفتها جميع الأمم.
إن في المجمع عيبًا أصيلًا، هو أنه لا يستلهم الماضي فقط ولكنه يتقيد به، ثم هو مع ذلك يكاد يُقاطع المستقبل أو يتجاهله، مع أن هذا المستقبل لا يُقاطعنا، ولا يتجاهلنا، ولكنه يتحدانا.