الرحلات الفضائية
لم يكن أحد يعتقد إلى وقت قريب أن هناك تطورًا آخر في التنقل البشري يزيد على الطيران؛ أي: الانتقال من مكان إلى آخر بالجو.
ولكن وزارة الطيران الأمريكية أعلنت قبل أسابيع أنها أرسلت صاروخًا ارتفع إلى مستوى يبعد عن الأرض بمقدار ٤٠٠ كيلو متر تقريبًا، وليس في هذا المستوى جو؛ أي: هواء؛ لأن طبقة الهواء التي تحيط بالأرض لا تزيد على خمسين أو ستين كيلو مترًا، أما بعد ذلك ففضاء خواء.
وكان هذا الصاروخ يحمل معه قمرات فوتوغرافية استطاعت أن تنقل صورة الأرض وهي على هذا البعد الشاسع، ونقلت لأول مرة في تاريخ البشر صورة الانحناء الكروي للأرض؛ لأن عدستها المرتفعة تناولت مساحة كبيرة جدًّا من هذا الكوكب فظهر الانحناء.
والفرق بين الطائرة الجوية والصاروخ الفضائي أن الأولى تطير؛ لأن لها مراوح تضرب الهواء فتندفع كما تندفع الباخرة بدواليبها التي تضرب الماء، أما الصاروخ فينطلق بقوته الخفية، ثم يتجاوز الهواء، ويسير في خواء بأيسر قوة؛ إذ لا يجد ما يصدمه أو يعوقه.
وعندما تخرج الصواريخ من طور التجارب إلى طور الخدمة سوف يكون من الميسور أن نقرأ جرائد باريس أو لندن في القاهرة بعد صدورها بربع ساعة، ثم قد يُلغى السفر بالطائرات وتقصر الرحلات البعيدة على الصواريخ.
وأبعد هذه الرحلات في الممكنات البشرية الحاضرة، أو المقدرة هي تلك التي سوف نقطعها إلى القمر، ولم يعد هذا خيالًا بعد اختراع الصاروخ، ولا نذكر هنا الذرة؛ لأن ممكناتها أعظم جدًّا جدًّا.
في سنة ١٩٠٩؛ أي: قبل أربعين سنة، كنت في لندن، وطار في تلك السنة الطيار الفرنسي «بليريو» فقطع المسافة بين فرنسا وإنجلترا في دقائق، وأخذت شركة سيفلردج طائرته وعرضتها في متجرها اجتذابًا للمتفرجين، وكنت بين هؤلاء، ورأيت في هذه «اللعبة» على ركاكة صنعها آفاقًا جديدة للمستقبل البشري تبعث التفاؤل، ومن ذلك الوقت أصبح التفاؤل عندي داء، على الرغم من الكوارث التي حلقت وما زالت تحلق فوق برلين وغير برلين.
أجل، إن العلم يندفع نحو الاختراع، والإنسان يتسلط على الطبيعة، بل يعيد كيانها ويغيره، وهذا الصاروخ سوف يحملنا إلى القمر، فنحمل إليه الهواء والماء وبذور النبات والحيوان، ثم بعد ذلك يكون استعمار الكواكب الأخرى.
إن رجل الأدب يؤلف قصائد من الشعر تُقرأ وتُغنى، ولكن رجل العلم سوف يُؤلف قصيدة، بل علياءة، تتخطر أبياتها وترقص عبر الفضاء، بين الأرض والقمر فتتغنى بها الكواكب والنجوم.