العالم في أزمة القدر
كان من دأب بعض الكُتَّاب الأوروبيين أن يقولوا: إن العلوم المادية قد تقدمت إلى درجة خطيرة، وإن العلوم الاجتماعية قد تخلفت عنها، وإنه قد نشأ من التفاوت قصور في استخدام المكتشفات والمخترعات الآلية والكيماوية والبيولوجية لمصلحة البشر، وإنها لذلك قد تستخدم للضرر وليس للمنفعة.
والمتأمل لهذا الموضوع لا يتمالك نفسه من الإحساس بأن الإنسان لم يُحصِّل بعدُ التربية الاجتماعية والسياسية التي يتوقى بها الضرر، وأنه كان يكون من الحظ الحسن لو أن هذه المكتشفات والمخترعات قد تأخرت إلى وقت يكون قد أتم فيه الإنسان تربيته الاجتماعية والسياسية.
ولذلك نحن بني البشر جميعًا، من شرقيين وغربيين، وبيض وسود، نُعاني أزمة القدر، ونكاد نسمع وقع أقدام التاريخ وهي تقترب منا اقترابًا مشئومًا حين تصطدم الدول الكبرى في المناورات الدموية القادمة.
ونحن نقرأ الجرائد كل صباح ومساء، فتكاد أخبارها تصطك في آذاننا كما لو كانت قنابل، فنحس أن العالم في تزعزعه الحاضر يومئ بل ينحدر، إلى الحرب، وهي حرب جامعة جامحة سوف تشترك فيها جميع الأمم في العالم.
ولكن على الرغم من الأخطار المتوقعة، هنالك ميزة، هي هذا التنبيه الدائم الذي يشبه الإحساس الديني، وهو أن هذه الأمم يجب أن تنتهي إلى وفاق وإلى إخاء، وأن الأخطار العظيمة المتوقعة سوف تجعل الوفاق والإخاء محتومين.
ولهذا يجب أن نقرأ الصحف وندرس السياسة بالروح الديني، روح المسئولية عن الأخطار القادمة للبشر الذين أصبحوا يترجحون بين البقاء والفناء، وليس لهذه المسئولية بالطبع نتائج عملية محسوسة، ولكنها تُربي ضميرنا وتُذكي عقلنا.
وتتابع هذه الأحداث العالمية الخطيرة يجعلنا نحس كأننا نعيش بسرعة لم يكن الجيل السابق يعرفها، بل الواقع أننا لا نحس فقط لهذه السرعة بل نُمارسها؛ لأن العالم يُسرع في تطوره، بل أحيانًا يُهرول، وقد تتغير الدنيا في يوم واحد بأكثر مما تغيرت في عام أو أعوام قبل خمسين سنة.
ويجب لذلك أن نقرأ الصحف الجدية بروح الجد، فلم تعد الصحيفة ملهى نتسلى به؛ لأن العالم الحديث، في أخطاره الراهنة والقادمة، لم يعد يتسع للهو، والصحيفة الجدية تربينا وتنبهنا، في حين أن الصحيفة المسلية تُخدرنا وتُنومنا.