عُرْف المجتمع ومصلحة البشر
معظم الناس يسيرون في تفكيرهم وعاداتهم على العرف الجاري، وليس في هذا بأس؛ لأننا ما دمنا نعيش في مجتمع فإننا يجب أن نأخذ بقواعده في الأخلاق والعادات والتفكير، ولكن هناك من يلتزمون الحرف دون الروح في هذا العرف الاجتماعي، وهم بذلك يأخذون بالقشور دون اللباب، ولا يتجاوزون الواقع إلى الخيال، أو هم يجمدون عند القاعدة كأنها خلاصة الحكمة بدلًا من أن يفكروا في الآفاق أو يتعمقوا الأصول.
فمن هؤلاء مثلًا، من يعنون أكبر العناية بارتداء السواد عند وفاة قريب والسير خلف الجنازة، ولكنهم لا يفكرون في الأرملة وأطفالها الذين يحتاجون إلى مختلف المساعدات بعد وفاة عائلتهم.
وهناك من يبعثون بالبطاقات للتهنئة في كل فرصة، كالأعياد أو غيرها، ولكنهم لا يُؤدون خدمة بارة لمن يستحقونها في مثل هذه الفرصة.
بل هناك من أولئك العرفيين من يتحدثون عن الزواج أحيانًا، سواء أكان؛ لأنفسهم أم لبناتهم أم لقريب لهم، كأنه احتفال متلألئ ومقصف يئن بأثقال من الطعام من المملكة الحيوانية والمملكة النباتية، أما حياة هذين الشخصين اللذين سيربطان نحو خمسين سنة فليست ذات شأن عظيم.
ورجل العرف يحب الرسميات والظواهر، ويحيلها إلى شعائر يكاد يكون لها قوة الدين في الطاعة والانقياد، حتى ولو كان في ذلك إرهاق لمن يُمارسونها.
ولذلك علينا أن نفطن إلى أن المصلحة البشرية يجب أن تسمو في جميع اعتباراتنا على العادة الاجتماعية؛ أي: يجب أن يكون شعارنا الخدمة وليس العرف، بل يجب في بعض الظروف أن نهمل العرف ونلغي العادات الاجتماعية وجميع الظواهر؛ كي نخدم المصالح الحقيقية العليا لإحدى العائلات أو لأحد الناس فنُقنع العائلة الفقيرة بألا تنفق على الجنازة، وإنما تنفق على الأطفال ونُقنع الشاب الفقير أو المتوسط بألا يُبالي بهارج العرس ولألأته، وإنما يُنفق على توفير الوسائل التي تسعده هو وزوجته في المستقبل، أما القادرون المتخمون بالترف فليس من يلومهم على التزام العرف مهما تبلغ تكاليفه.