لنكن اجتماعيين
ليس هناك من المناظر البشرية الجميلة ما هو أجمل من العائلة التي يرتبط أفرادها بالحب والحنان، ويتعلق فيها الأبناء بالآباء والآباء بالأبناء، ولكن الرجل الذي يسرف ويلتصق بعائلته كل الالتصاق، لا يعرف غير بيته ومكتبه، هذا الرجل لا يمكن أن يعد متمدنًا.
ذلك أن الأمة المتمدنة تتألف من مجتمع وعائلة، والرجل العائلي الذي يُقاطع المجتمع لا يعيش الحياة المليئة ولا يستمتع بالإحساس الاجتماعي الذي يربيه ويثير في نفسه الاستطلاع إلى الرقي؛ لأن الرقي، سواء بالثراء أو الثقافة أو الوجاهة، إنما هو معنى اجتماعي يتجاوز الاعتبارات الاجتماعية الواسعة.
والمرأة العائلية التي تسرف في التزام بيتها، ولا تُفكر في غير أبنائها ومطبخها وزوجها، هذه المرأة تنتهي بهذا الالتزام إلى ضيق العقل وفقر العواطف البارة، وقلة الآفاق التي تجعل تفكيرها محدودًا أو شخصيتها هزيلة.
إن التمدن يقتضينا أن نكون عائليين واجتماعيين معًا، نخرج من البيت ونشترك في ألوان من النشاط الاجتماعي، فنَستضيف ونُستضاف، ونكون أعضاء في الجمعيات والمنظمات والأحزاب التي تعمل للخير أو تنتصب لغاية بشرية سامية لتأييد فكرة اجتماعية أو لترويج نظرية علمية، ويجب أن يكون لكل منا، رجالًا ونساء وشبانًا وكهولًا، النادي الذي نجد فيه الأصدقاء والزملاء، بل يجب أن نخرج من وقت لآخر إلى المطاعم والمشارب العامة.
إن المجتمع يربينا أكثر مما تربينا العائلة؛ لأنه في الأكثر يُخاطب عقولنا، في حين أن العائلة في الأكثر تُخاطب عواطفنا، وهو في أكثرها إيثار، في حين أن العائلة في أكثرها إثرة، ثم إن الإحساس الاجتماعي خير كفيل بصيانة الأمة في النهاية من الفوضى أو الاستبداد في الحكومة؛ لأن الرجل الذي اتجه وجهة اجتماعية يحس على الدوام أنه مسئول عن النزاهة والشرف والكفاءة في الحكم.
يجب ألا تحجزنا العائلة عن المجتمع، كما يجب ألا يجذبنا المجتمع بحيث نُهمل العائلة.
والرجل الأمثل ليس هو ذلك الذي «لا يعرف غير بيته» وكذلك المرأة المثلى ليست هي الأم أو الزوجة فقط، وإنما هي تلك التي تدرس السياسة العامة، وطنية وعالمية، وتشترك في المشروعات الاجتماعية، وتصوت في الانتخابات البرلمانية، وتهتم بشئون العلم والسياسة والتجارة؛ أي: تكون عضوة حية في المجتمع، تضيف وتستضاف، وتشترك في الجمعيات والأحزاب، بل وتحترف حرفة تُؤدي بها خدمة اجتماعية منتجة.