حياة الفطرة والفن
كثيرًا ما نسمع أو نقرأ عن جمال الطبيعة والحياة الفطرية وسذاجة العيش، وهذا كلام حسن لولا أنه يحمل بعض الالتباسات التي تعوق الفهم الصحيح لما يُريده دعاة الطبيعة.
ذلك أن الحضارة القائمة تبهظنا بأعباء وتكاليف كثيرة معظمها بهارج زائفة قد قضى علينا بها المجتمع بعاداته وتقاليده، فنحن نعيش مندفعين في سياق الاعتبارات الاجتماعية التي ننشد بها الأبهة والثراء، ونقتني شارات الترف فنزحم منازلنا بالأثاث الثقيل الذي تتعدد أشكاله وألوانه، ونحتفظ بمظاهر تُوهم الغير بأننا قادرون أثرياء ممتازون، بل لقد ينتهز أحدنا الفرصة في عرس أو جنازة، أو أية مناسبة أخرى، فيرهق نفسه بتكاليف تُوهم الغير بأنه في مكانة اجتماعية ممتازة.
والفرار من هذه الحضارة المرهقة كسب لا شك فيه، وهو كسب الاستغناء عن البهارج الكاذبة والاعتبارات السخيفة.
ولكن الحياة العالية هي الحياة الفنية المثقفة، فيجب ألا ينطوي استغناؤنا عن البهارج والشخاشخ على أن نستغني عن الفن والثقافة.
لقد كان تولستوي يكره الحضارة، وقد ترك المدينة وعاش في الريف، ولكن حبه للطبيعة، وغرامه بحياة الفطرة، لم يمنعاه من ممارسة الفنون ودراسة الثقافة، وكذلك الشأن في غاندي فإن قناعته بالعنزة لغذائه، والشملة لكسائه، لم تكن لتمنعه من قراءة الكتب العالية والجرائد الجدية.
وليس الغنى مقصورًا على الأثاث أو البناء أو الموسيقا أو الشعر؛ لأننا يجب قبل كل شيء أن نعيش الحياة الفنية، نستغني عن المائدة المطهمة، ولكن لا نستغني عن الذهن المثقف والذوق المتأنق، ولا بأس بأن نُعنَى بملذات الجسم، ولكن يجب أن نُعنَى أكثر بملذات النفس العليا.
لقد كان غاندي وتولستوي وروسو وثورو ساذجين في عيشهم يقنعون بالكفاف من الغذاء واللباس، وكانوا يعيشون الحياة الفطرية يحبون الحقول، ويصلون للشمس في بزوغها، ويتحدثون إلى النجوم في الليل، ولكنهم كانوا جميعهم يمتازون بعقول مركبة مثقفة تحفل بالنظريات والتأملات.
ولم يكن اسغناؤهم جهلًا، ولكنه كان فنًّا.