قادة العالم
من الأخبار التي تلتفت إليها صحفنا خبر خطير، بل غاية في الخطورة؛ لأنه يدل على فلسفة جديدة واتجاه جديد، ذلك أن المسيو بوس، وهو ثري فرنسي يملك عددًا كبيرًا من البواخر، قد منح جامعة أكسفورد الإنجليزية مليون ونصف مليون جنيه لتأسيس كلية جديدة لتخريج القادة للعالم، وشرط أن يكون ثلث الطلبة من الفرنسيين.
ولا يعرف لماذا اختار أكسفورد دون السوربون، وربما كان لمركز أكسفورد العالمي بعض الوزن في هذا الاختيار، ويجب أن نذكر أن المسيو بوس يتجه اتجاهًا عالميًّا بهذا التبرع العظيم، فلا يمكن أن يتقيد باعتبارات وطنية، وحسبه من هذه الاعتبارات الوطنية أنه شرط أن يكون ثلث الطلبة من الفرنسين.
ولو أن المسيو بوس كان يعيش قبل ٥٠٠ أو ١٠٠٠ سنة وأحس في نفسه بهذه النزعة الكريمة لشيد كنيسة كاتدرائية كبرى، ولكنه يعيش في القرن العشرين حيث قد أنشأ لنا العلم مشكلات يجب أن يحلها العلم لا الدين.
فنحن نعيش في أسر مشكلات اقتصادية وإنتاجية وثقافية عديدة، كما أن عالمنا قد اشتبك حتى لكأننا قطر واحد بل قرية واحدة، فإذا تزعزع الدولار في نيويورك ارتفع ثمن الذهب في القاهرة، وإذا حدثت أزمة في لنكشير انخفض ثمن القطن في الإسكندرية، ونحن نتحدث عن المباراة الحرة للصناعات، وعن التأميم للفحم أو البترول، كما نتحدث عن استخدام الذرة للإنتاج السلمي أو للفتك الحربي، وقد فشت أخلاق جديدة أوجدها الإنتاج الصناعي الآلي، وهي تصطدم بالأخلاق الزراعية القديمة في جميع الأمم، وهذه جميعها مشكلات علمية.
وقد كانت الحرب الكبرى الثانية فرصة للحضانة الفكرية بشأن المستقبل، وقد أحس القادة وقتئذ بأن العالم يحتاج إلى منظمة جديدة تشرف على مصيره وتحل مشكلاته، فكان من ذلك منظمة الأمم المتحدة.
والعالم يزداد ارتباطًا ويزداد كذلك مشكلات، ولم يعد علم السياسة أو فنها مقصورًا على الاعتبارات الوطنية، ولذلك لا بد من دراسات جديدة لأبناء الجيل الجديد كي يحلوا مشكلاتهم الحاضرة والمستقبلة، ومن هنا قيمة الكلية الجديدة في أكسفورد.
ويجب أن يدرس الطلبة هناك كل شيء يمس هذه الارتباطات والمشكلات الجديدة، ويجب أن يتوفروا على الدراسة، ولا بأس من أن يتخرجوا بعد دراسة علمية في سن الأربعين أو الخمسين على فلسفة بشرية جديدة تنحو بالعالم المرتبط نحو السلم والأمن والرخاء والثقافة.