ضريبة الضمير
عندما نرى طفلًا يتألم من جرح أو مرض، أو عندما نرى الترام يدوس صبيًّا ويقطع قدميه، نتأثر ونحزن، وقد نبقى متأثرين أيامًا، ولكن عندما تروي إحدى الصحف أن خمسين ألف إنسان بين رجل وامرأة وطفل قد ماتوا في الهند أو الصين في المجاعة، نمر بهذا الخبر كما لو كان من الأشياء العادية التي لا تستحق التفكير أو الاهتمام.
وهذا يدلنا على أننا نتأثر بالحس أكثر مما نتأثر بالعقل، بل هذا هو ما يجرئ الطيار على أن يُلقي القنابل على المدينة، فهو يعرف أنها سوف تبقر بطون الأمهات، أو تمزق وجوه الأطفال وتحطم أجسام الرجال، يعرف كل هذا بعقله، ولكنه لا يراه بعينيه، ولذلك لا يتأثر، ولو أن هذا الطيار طُلب إليه أن يذبح طفلًا بيده لاستفظع هذا الطلب ورفض القيام به، مع أنه في كل رحلة حربية يقتل مئات الأطفال أو يصيبهم بجراح أليمة مميتة.
ونحن نعيش بإحساسنا أكثر مما نعيش بعقولنا، ونحتاج إلى تربية السنين حتى يستحيل أحدنا من المادة البشرية الخامة، والضمير الغشيم، إلى العقل المفكر والإنسانية العالية، وعندئذ يكون لوقع المجاعة في الصين، أو إلقاء القنابل على النائمين، ذلك الوقع الذي نجده عندما نرى غلامًا يمزقه الترام أو يتضور جوعًا.
ونستطيع أن ننتقل إلى معنى آخر ليس من هذه المعاني التي ذكرنا ولكنه ينساق معها، ذلك أننا نخجل إذا طلب إلينا دائننا قضاء دينه وعجزنا، ونخجل إذا قيل إننا نماطل في أداء ديوننا؛ لأن الإحساس هنا شخصي حسي، ولكن هناك آلافًا لا يخجلون ألا يُؤدوا ديونهم للحكومة؛ أي: الضرائب التي تُفرض عليهم، ذلك أن الحكومة ليس لها كيان شخصي وإحساسنا نحوها ليس حسيًّا؛ إذ هي لا تُرى بالعين ولا تحس بحاسة أخرى فضمائرنا نحوها غشيمة.
ولكن الضمير المهذب الذي يعتمد على العقل يعرف أن حق الحكومة عليه لا يختلف عن حق أي دائن شخصي آخر، وهو لذلك يُؤدي الضريبة راضيًا، بل يطلب زيادتها؛ لأن الضريبة هي في النهاية الثمن الذي ندفعه كي نحصل على التمدن؛ أي: الأمن والصحة والتعليم والرفاهية.
وهناك في إنجلترا شيء يُسمى «فلوس الضمير» وهو يبلغ عشرين مليون جنيه كل عام في قسم الإيرادات من الميزانية، ذلك أن الجابي، الذي يُحاسب الممول الإنجليزي يسهو عن أشياء كانت تستحق الجباية، فإذا انتهى من حسابه وحصل على حق الحكومة عاد الممول إلى المراجعة، فإذا وجد أن هذا الجابي قد أغفل شيئًا عمد هو ونزعه من ماله وأرسله إلى الحكومة.
وهذا إحساس سامٍ يجب أن يتصف به الرجل المهذب في الأمة الراقية، وعلى كل منا أن يذكره ويعمل به، إحساس العقل المهذب الذي يرتفع برؤية الدنيا من خلال العقل والفهم، وليس من خلال الحواس الخمس.