الصناعة … الصناعة
في ظروف العالم الحاضرة، وفي التطورات الاقتصادية التي تنمو وتتفشى، يجب أن نعد المصنع مقدسًا من مقادس الأمة، ويجب أن نضع رجالنا القائمين بالصناعة في أعلى المراتب الاجتماعية، ويجب أن نجعل افتتاح المصنع ميسرًا أقصى التيسير.
المصنع نفسه مدرسة؛ لأنه لا يعمل إلا بقواعد العلوم العصرية، ونحن نحتاج إلى هذه العلوم.
والمصنع أيضًا وسيلة للثراء.
والمصنع وسيلة إلى القوة؛ لأنه هو الذي يصنع لنا الأسلحة والذخائر، والعالم في اضطرابه الحاضر يضطر إلى صنع الأسلحة والذخائر.
ولهذا كله يجب ألا ترهق المصانع بشروط تجعل إقامتها شاقة، ويجب ألا نرهق الصناعيين بضرائب تغل من إقدامهم وتثبط عزائمهم، أو تنقص مقدار الأموال التي يجب أن تتراكم، وأن تطفو في الأسواق المالية حتى تبعث على التوسع الصناعي والنشاط الاقتصادي.
ولست بذلك أنكر حاجة الحكومة إلى الضرائب، ولكن يجب أن تكون هناك سياسة عامة في فرضها وتقديرها، بحيث يؤدي هذا الفرض والتقدير إلى هدف نبصر به من الآن ونستطيع وتحقيقه بعد سنوات.
وخير لنا من أن نفرض الضرائب على الأرض الزراعية، وأن نزيد ضريبتها، بدلًا من أن نزيد الضرائب على المصانع، ذلك لأن حضارة الأمة وأمنها، ورفاهيتها، وسلامتها من العدوان الخارجي كل هذا يتطلب بعث الصناعات الكبرى المتعددة ودعمها، وهي إلى الآن لا تزال مبتدئة تحبو، وتحتاج إلى من يسندها، أما الزراعة فثابتة لا خوف عليها.
وتطورنا الحاضر لهذا السبب يقتضي استغلال أموالنا في الصناعة أكثر مما يقتضي استغلالها في الأرض والزراعة، أجل، يجب ألا تكون الأرض مقبرة لأموالنا.
بل حتى الريف المصري، يجب أن يستصنع بالصناعات الصغيرة الآن، ثم بالصناعات الكبيرة في المستقبل.
لقد سبق أن قيلت كلمة كافرة أذيعت في مصر كثيرًا، هي أن «بلادنا زراعية»، ولكن اتضح الكذب في هذه الكلمة حتى لم نعد نؤمن بها، ثم جاء اكتشاف البترول منبهًا لنا؛ لأنه الوقود الذي سنبني به صناعاتنا إلى جنب القوة الكهربائية من خزان أسوان.
ولن تتفشى الصناعات إلا إذا كان الإغراء كبيرًا للمقدمين عليها، بحيث يحسون أنهم سيربحون منها أكثر مما يربحون من الزراعة، ولهذا يجب ألا يُرهقوا بالضرائب.