في الأسلوب
يسألني أحيانًا كاتب ناشئ عما يجب أن يعمل لتحسين أسلوبه، وإجابتي عن هذا السؤال هي على الدوام: السبيل إلى تحسين أسلوبك هو تحسين أخلاقك.
ذلك أن أسلوب الكاتب ينساق مع أخلاقه، فأسلوبنا في المشي والكلام والكتابة والهندام واحد لا يتجزأ، وهو في النهاية المظهر العام لأخلاقنا التي بثت منذ الطفولة، والتي اكتسبناها بالاختبارات والاختلاط الاجتماعي، بل قد يكون أسلوبنا ثمرة لأحد المركبات السيئة أو الحسنة في النفس، ولذلك قيل: إن الأسلوب هو الرجل؛ أي: هو الشخصية.
فالرجل الصريح الذي يبدو في حديثه مباشرًا هادفًا غير ملتو، لا يسار ولا يهمس، هذا الرجل تجد له أخلاقًا أخرى تستقيم وتتناسق مع هذه الصراحة في أسلوبه الكتابي، فإن الجملة الأولى من الموضوع تُنبئ عن صراحته، وقد تصل صراحته إلى سذاجة بعيدة عن الفن، أو قد ترتفع إلى بساطة سامية في الفن.
وقد يقف القارئ هنا عند هذه العبارة: «بساطة سامية في الفن»، ذلك لأننا قد نشأنا على أن نفهم أن الفن هو العمل المتكلف، والزخارف البهارج من مجازات واستعارات، ونحو ذلك، هنا احتاج إلى مقارنة، فإننا إذا كنا نصنع آنيتنا من الفخار فإننا نحتاج إلى زخرفتها، ولكن إذا كانت هذه الآنية من الذهب أو الفضة فإنها تبدو لنا جميلة مسحاء، تضيء بصميم معدنها الثمين الذي هو غاية في الجمال، ساذجة بلا زخرفة.
وهكذا شأن الأسلوب في الكتاب، فإننا نقرأ كلمات غاندي أو تولستوي فنجد السذاجة السامية؛ لأنهما ينطقان عن نبع صاف من العواطف الإنسانية النبيلة؛ أي: أنهما يقدمان لنا آنية من الذهب والفضة لا تحتاج إلى زخارف.
أسلوب غاندي هو أخلاقه، هو شخصيته، وأسلوب تشرشل هو أخلاقه، وشخصيته، وتربيته مدى سبعين سنة في جو الاستعمار البريطاني، أسلوب عدواني نعجب ببطولته، ونتأمل زخارفه المجازية، التي يحاول أن يرتفع بها على الحقائق المؤلمة التي يرويها، ولو أن غاندي أو تولستوي هما اللذان كانا يرويان هذه الحقائق لكان لهما أسلوب آخر كله سذاجة، ولكنه بهذه السذاجة نفسها كان يثير في أنفسنا الألم والحسرة والغصة.
وقد كان صمويل بطلر يقول: إن أسلوب الكاتب يجب أن يكون مثل لباسه، لا يلفت نظر المارة إليه بألوانه الزاعقة أو حواشيه المستفيضة.
ولو سئلت عن الأسلوب الأمثل لقلت: إنه هو الذي يجب أن يكون عاريًا صريحًا، ولكن معنى هذا أن أخلاقنا يجب أن تكون عارية صريحة، غير أن الجمهور لن يطيق هذا العري إلا إذا كان جميلًا مثل المعدن الثمين الساذج.