الامتحانات الصينية
قبل أن تعلن الجمهورية الصينية في ١٩١١ كانت الامتحانات في الصين مضرب المثل في الصرامة والقسوة، وكثيرًا ما كان يحدث أن يعمد الطالب وهو محبوس في زنزانته إلى الانتحار، أو يهب مجنونًا فيمزق أوراقه ويضرب ممتحنيه؛ إذ كان يجد نفسه، بعد إرهاق السنين الطوال في الدراسة، عاجزًا عن الإجابة فيختل اتزانه وينفجر.
وقد حدث في ١٨٨٢ أن هذا الجنون انتقل من الطلبة إلى المشرف الأكبر على الامتحانات، فشرع يهذي ويخبط بيديه وقدميه حتى اضطر مرءوسوه إلى القبض عليه وربطه بالحبال.
وكانت الصين في ذلك الوقت أمة قديمة قد تشبعت بتعاليم كونفوشيوس، فإن هذا الرجل جعل القواعد الاجتماعية شعائر دينية، فهو يُعين للشاب كيف يجب أن يقعد أمام أبيه أو عمه، كما يُعين للمرأة أوقات خروجها، أو الأسلوب الذي تتحدث به أمام حماتها، أو الإيماءات التي تشير بها عندما يُحدثها حموها.
قواعد السلوك البسيطة هذه، والتي تتغير بسهولة في أية أمة متطورة، قد استطاع كونفشيوس أن يجعلها تقاليد متحجرة يجب أن تتغير، وقد تجمد المجتمع الصيني تجمدًا حجريًّا إلى ١٩١١، ثم انهار فجأة، وهو لا يزال كذلك إلى الآن (١٩٤٨) لم يتماسك.
وكان روح المحافظة الذي بعثه كونفوشيوس قد أصبح المزاج العام للحكومة والأمة، وأصبحت الامتحانات العامة تجري وفق هذا الروح أو هذا المزاج؛ إذ هي لم تكن تتجاوز دراسة التاريخ القديم، واللغة والخط، وقواعد الحكماء من أمثال كونفوشيوس، وكان بعض الطلبة يقضون العمر كله، ويبلغون السبعين أو الثمانين، وهم لا يزالون يطلبون هذا «العلم» الشاق، ولم تكن الوظائف العامة تُمنح إلا للناجحين في هذه الامتحانات التي لم تكن تزيد على أن تكون «معارف» لا تمت إلى الحقائق بشيء، فلما أهلَّ القرن العشرون وجد الصين لا تزال في القرن العاشر.
وقد خطرت لنا هذه الخواطر؛ لأن امتحانات المدارس والجامعة قد اقتربت، وأخذت التوترات النفسية تبدي علاماتها على وجوه الطلبة.
ولذلك نرجو أن يذكر الممتحنون أن المعارف ليست كلها حقائق؛ إذ إن نصفها، أو أكثر أو أقل، قد يكون من نوع المعارف العقيمة التي كان يستظهرها الطلبة الصينيون في التاريخ واللغة والنحو والبلاغة والأدب.
ونُحب أن نذكر امتحانًا آخر تقوم به الحكومة الإنجليزية للمتقدمين في طلب الوظائف الحكومية، ذلك أنها تحبسهم ثلاثة أيام تحت إشراف الممتحنين، ولكن ليس للوقوف على درجة معارفهم ووفرتها، وإنما للوقوف على شخصياتهم، ذلك لأن شخصية الموظف العام أكبر قيمة من معارفه.
فليذكر هذا ممتحنونا، وليذكر هذا موظفونا.