الحب بالشخص الثالث والثمانين
Love in the 83rd person by Joyce Elbert 1966
قالت: «أُحب جاك يا دكتور أبلسون.»
قال: «أوه؛ في ذلك الصيف كان الجميع يقودون سيارات بويك من النوع ذي السقف المُتحرك … لديك هذا الصباح الكثير من السطور الأولى لروايات جديدة. أنت مُضحكة للغاية، ومهووسة. أرأيتِ كيف كنتِ تقفزين في أرجاء المكان؟»
رَقَدتُ بلا حركة: «أنا هكذا دائمًا.»
قال: «كلَّا يا عزيزتي. كنتُ أقصد عندما جريت إلى البقال منذ دقائق. ما كنتُ أملك مثل هذه القوة والنشاط أبدًا. الظاهر أن رد فعل الإنهاك يختلف من شخصٍ إلى آخر.»
قال: «أنت جميلة رائعة. منذ سنة وأنا أريدك.»
قالت: «أمس قلتَ سنتَين.» كانت عيناها مغلقتَين وعلى شفتَيها شبح ابتسامة «يبدو أننا فقدْنا سَنةً أثناء الليل.»
قال: «أنت رائعة، بديعة، مُثيرة، رقيقة. لم أتصوَّرك أبدًا على هذه الدرجة من الرقة.»
قالت: «الذين لا يعرفونني يظنُّونني فظيعة. لكني لست هكذا في الحقيقة.»
قال: «لستِ فظيعة على الإطلاق. في الحقيقة أنت لا تُشبهين في شيءٍ كل ما تخيلتُه عنك. كنتُ أظنك أكثر نحافة. تبدين كذلك وأنت بملابسك. بالطبع تعرفين ذلك. قيل لك من قبل. لم يعُد بوسع أحدٍ أن يذكر شيئًا مبتكرًا في الفراش.»
قالت: «أليس هذا فظيعًا؟ لم يعد هناك ما يُذكر دون أن يبدو أسطوانة مكررة.»
قال: «لا تقولي شيئًا يا عزيزتي. ضُمِّيني فقط!»
ضحكا سويًّا وهما يتطلعان إلى السقف. ومدَّت يدَها إلى المائدة، فعلَّت صوت المحطة الإسبانية.
صرخ المذيع: «راديو و - أ - د - و. أليجريا! أليجريا!»
قالت: «الأغاني الإسبانية دائمًا هكذا .. مي كورازون، مي فيدا، مي ألما، أوناكو، ماس، أليجريا، أليجريا .. هل لاحظت ذلك؟»
مال عليها وقبَّل فمَها. حاولَتْ أن تنظر إليه فقبَّلها من جديد: «حبيبة القلب. أنت مُثيرة للغاية.»
قالت: «أنا مجنونة بك.» ومدَّت يدَها: «أنت كبيرٌ جدًّا.»
•••
قالت: «أدر جهاز التكييف من فضلك. سأُغلق الباب. وسأُعِدُّ لنا كأسَين.»
عادت تعبر الصالة إلى الغرفة. أغلقت بابها بإحكام وقالت: «الأمر أشبه بالتقمُّص. فأنا أعرف تمامًا أين أجد ما أريده. يجب أن تراني جينا الآن.»
تناول إحدى الكأسَين وحرك الثلج بأصبعه: «ما أخبارها؟»
– «لم نعُد نلتقي. المرة الأخيرة التي تناولنا فيها طعام الغداء سويًّا قالت إننا يجب ألا نلتقي بعد الآن. وهذا ما حدث.»
– «أمر سيئ. كنتما صديقتَين حميمتَين.»
– «كلَّا. كنا مُتصادقتَين، لكننا لم نكن أصدقاء بالفعل. ولا في الصيف الماضي عندما أقمتُ هنا.»
– «كانت تشعر بالرغبة في حمايتك. هذا شأنها عندما تميل إلى أحد.»
– «إنها مُزعجة. كانت تتصرَّف كأنها مُديرتك.»
أزيز جهاز التكييف، والموسيقى الإسبانية ولا شيء حتى قال: «اشتهيتُك للمرة الأولى في الصيف الماضي، عندما كنتِ تنامين هناك على هذه الأريكة، وذات ليلة كدتُ أقول لجينا أن تذهب وتأتي بك. ثم بدا لي أن ذلك لا يليق، عدا أن جزءًا مما أردتُه كان أن تُريدك هي أيضًا، وكنت أعرف أنها لن تفعل أبدًا، لهذا استغرقتُ في النوم، ونسيتُ الأمر كله. لكني لم أنسَهُ في الحقيقة.»
– «إما هذا أو أنك مارست الحب مع جينا ونسيتَ الأمر كله.»
– «كلَّا يا عزيزتي. لم نكن نمارس الحب كثيرًا. كانت جينا ودودة وعاطفية للغاية، بطريقتها الخاصة، لكنها لم تكن تُثيرني. كانت هادئة تمامًا في الفراش، مُستسلمة تمامًا، وهذا هو كل شيء.»
– «إنها تُشاهَد الآن مع بارني.»
– «بارني كيجان؟»
– «هذا ما ذكرَتْه لي عندما كنا نتناول الطعام. كان بارني يراها جذَّابة منذ أحضرتُه معي إلى هنا في الصيف الماضي. هو من النوع الأمريكي تمامًا والذي تُفضله جينا. كما أنه كان أيضًا فتاي ذات مرة.»
– «جينا وبارني.»
– «هل تشعر بالغيرة؟»
– «من (جاك دكتور أبلسون) فقط. وسيارات البويك أيضًا.»
قالت: «الغيرة انقرضت.»
همس بطريقةٍ ذات مغزى: «لاحظت هذا بنفسي.»
لم تبتسم.
قال: «هاي. ماذا حدث؟»
قالت: «أعصابي ثارت فجأة.»
وضع كأسه على الأرض وقال: «تعالي هنا يا حبيبتي. ليس هناك ما يُثير الأعصاب. إنه زمن الأليجريا.»
قالت: «أظن أني عصبية جدًّا الآن. سيمنعني هذا من المجيء.» واختفت بين ذراعَيه.
•••
قال: «لا أفهم أبدًا ماذا يُعجبك في بارني. إنه شخص لطيف لكن مُتخلف للغاية. فهو رغم أعوامه الستة والثلاثين ما زال يعيش في فقاعة. جئتِ أنت وفجَّرتِ الفقاعة. عندئذٍ لم يعرف المسكين ماذا يفعل بنفسه.»
– «كنتُ في حاجة إلى بارني لأتمكن من الانفصال عن جان بول. أحيانًا تُضطر النساء إلى الذهاب إلى الفراش مع رجل ليتمكنَّ من نسيان رجلٍ آخر. كان لا بدَّ من نسيان جان بول. الواجهة الشاحبة لحياتنا، التظاهر. هل تعرف أنه ظلَّ يتظاهر بِحُبي حتى آخر لحظة؟»
– «ربما.»
– «لا تكن مضحكًا. كان يكرهني. فقد ظل يُعاني من العنَّة شهورًا طويلة. كان الأمر فظيعًا. ولم أتقبل فظاعته إلا بعد مدة، فأنشأتُ تلك العلاقة مع بارني.»
– «ألم تكوني ساخطة عليه؟»
– «بارني؟»
– «لا. جان بول. لأنه كان يرفضك.»
– «كنت أشعر بالأسف من أجله. كان في حالة فظيعة. ولهذا أنت لم تُحبه أبدًا. كان مُصابًا بانهيارٍ عصبي عندما التقيتما.»
– «لا أحد يُصاب بالانهيار العصبي الآن. فهي حالة دائمة. ثم إني لم أنفر منه. كل ما في الأمر أني لم أُحب رؤيته معك. لم يكن يبدو عليكما أي انسجام. وطالما تساءلتُ كيف قبلتِ الزواج منه.»
– «لم أعرف في حياتي رجلًا قال كلمة طيبة عمن سبقوه من الرجال.»
– «هذا ليس صحيحًا يا حبيبة قلبي. بوسعي أن أفهم زواجك من المجنون أوكنور. فهو على الأقل شخصٌ مُسلٍّ، رغم أنه يسلبني دولارين في كل مرة نلتقي فيها. دولاران حقيران. وكان هذا يُصيب جينا بالجنون لكني كنت أقول إنه يتيح لنا أمسيةً مُسلية بهذَين الدولارين. لا يمكن للمرء أن ينفر من شخصٍ هذا شأنه. ماذا صار إليه أمر هذا المجنون؟»
– «كان يقيم في المكسيك طوال السنين القليلة الماضية مع فتاةٍ بشعة من نيويورك. مصممة ملابس. أعتقد أنها تتكفل بنفقاتهما الآن من صناعة ملابس الفلاحات في شابالا.»
– «أعجب لماذا ذهبا إلى هناك. فالبحيرة جافة تمامًا.»
– «كذلك أوكنور وهذه الفتاة.»
– «لقد قابلتهما. كانت مهووسة به. وكثيرًا ما كانت تتصل بالهاتف في منتصف الليل لتعرف إن كان معنا. ذلك النوع من الهيستريا. أراد أوكنور أن أنام معها، وقد فعلتُ ذات ليلة، لكني كنتُ ثملًا إلى درجة لم أتذكر معها شيئًا في الصباح التالي سوى إحساس غامض بأنه كان موجودًا طول الوقت.»
– «لم يكن هذا مجرد إحساس.»
– «لا بد أن زواجكما كان يفيض حيوية.»
انقلبَت على بطنها وكظمت صوتها بين الملاءات: «كيف يمكنك أن تغار من ألف امرأة يسبحن في زجاجة جن؟»
أعادها فوق ظهرها وانتقلت شفتاه من جبهتها إلى جفونها إلى فمها: «يا أعز الناس، لشدَّ ما يُشبه صوتك صوت زوجتي السابقة.»
ثم قال: «أنت محظوظة اليوم إذ أمكنك الحصول على عطلة. فأنا أكره أيام الجُمَع.»
– «أنت المحظوظ، فبوسعك أن تتصل بمكتبك وتقول إنك ستأتي ظهرًا ولن يعبأ أحد.»
– «ماذا تنوين عمله اليوم؟»
– «سوف أذهب إلى المحلل النفسي للمرة الأخيرة قبل أن يبدأ عطلته.» وتطلعَت على غير هدًى في أرجاء الغرفة. «وبعد ذلك لا أعرف. ماذا ستفعل أنت؟»
– «سأذهب إلى عملي. يحسن بنا أن نتناول إفطارنا الآن.»
– «حسنًا.»
– «قبليني أولًا.»
– «أوه يا حبيبي.»
– «كانت ليلة رائعة. من سنة وأنا أحلم بها. سنة كاملة. هل تُدركين؟»
– «من سنتَين. أم أنك كنتَ ثملًا عندما قلتَ لي ذلك ليلة أمس؟»
– «بالطبع كنت ثملًا. كنت عصبيًّا. ألم تكوني أنت أيضًا كذلك؟»
– «إلى درجة الهيستريا.»
– «تمامًا يا عزيزتي. كان بوسعي أن أحسَّ التفاعل.»
قبَّل ثديًا عاريًا، وجذب الملاءة عن الآخَر، وقبَّلَه، وجرى بيدِه فوق استدارات ردفَيها، وهمس في أُذنها، ثم أقامها في وضع الجلوس.
قال: «اذهبي واقلي البيض.»
عبرت الصالة مرة أخرى إلى مطبخ جينا القديم. وبدأت تُعِد القهوة.
ناداها: «أجِّلي التوست. سأحلق ذقني أولًا.»
كسرت خمس بيضات في إناءٍ وأضافت قليلًا من البقدونس المُجفَّف ومسحوق الثوم والفلفل الأحمر الحار، وخضَّت المزيج. وبدأت القهوة تغلي. توست وزبد ومُربى. وذهبت تُعِد المائدة في غرفة المعيشة. وفي الدقيقة الأخيرة أضافت قطعًا من اللحم المُقدَّد إلى البيض، وذاقت القهوة، ثم خففتها بالماء المُغلَى.
قالت: «كل شيء ناضج إما أكثر مما يجب أو أقل مما يجب.»
– «هذا هو الواجب.»
كان يرتدي قميصا مخططًا بالأزرق والأبيض، ورباط عنق بلون البحر، وسروالًا رماديًّا، وحذاء أسود بلا رباط، وسترة بحرية بأزرار نحاسية وكان قد جرح نفسه أسفل ذقنه: «هذا ما يحدث لي دائمًا.»
قالت: «كنتُ أظن دائمًا أنك ستتزوَّج جينا. لقد راهنتُ على ذلك مرةً وخسرت خمسة دولارات.»
– «ما الفائدة عندما تخبو الإثارة الجنسية؟»
– «هل خَبَت لدَيها أيضًا؟»
– «لا أعرف يا عزيزتي. فلم تكن جينا تتحدَّث كثيرًا عن نفسها.»
– «ألا يمكنك أن تُخمِّن؟»
– «لا. كانت جينا ريفية في أعماقها. مُغلقة على نفسها تمامًا وهادئة.»
– «كانت تتكلَّم معي كثيرًا.»
– «كانت تتكلم دون أن تقول شيئًا.» انحنى وأزال برفقٍ بقايا قطعة من البيض التصقت بذقنها «لماذا لا ترتدين ملابسك ونركب سويًّا إلى المدينة. سأتولى أنا تنظيف المائدة.»
نادته من الحمام بعد دقائق: «هل لك أن تُعطيني قلمًا؟»
وفي سيارة الأجرة التي أقلتهما إلى المدينة سألها: «ماذا كنت تريدين من القلم؟»
– «حاجباي.»
– «ظننتُك ستكتبين لي كلمة وداع.»
طافت عيناها بحقيبة العطلات الصوفية التي كانت بجوارها على المقعد ثم سألته: «إذا كنتَ رغبت بي منذ عام، فما الذي أخَّرك طول هذا الوقت؟»
– «التعقيدات يا عزيزتي. الحقيقة أن ما حدث أمس، وقع قبل أن أتوقَّعه. فأنا مشغول الآن بعقد أواصر علاقة أخرى.»
– «كذلك أنا.»
– «ويللر؟»
أطرقت برأسها.
– «ألم تكن لك به علاقة منذ سنين عدة بعد انفصالك عن أوكنور؟»
أطرقت مرة أخرى.
قال: «كنت أعرف زوجته السابقة.»
قالت: «أعرف.»
توقفت السيارة في طريق ماديسون. وعاونها على مغادرتها. كانت الطرقات الجانبية حاشدة بزحام فترة تناول طعام الغداء. نظرت مُرتابة إلى رداء الليلة الماضية، وإلى أظافر قدمَيها التي برزت من خفِّ المساء الصغير، وإلى الكيس الدقيق الذي يحوي المفاتيح وأدوات التجميل. ثم رفعت بصرَها إليه، فوقها ببضع بوصات، أزرق وأبيض بذقن حليق في ضوء الشمس.
تناول يدَها ورفعها إلى فمه: «أنت رائعة، جميلة، حبوبة.»
– «أوه، اصمت.»
قال: «ألا أستطيع الإفصاح عن شعوري؟»
– «آسفة.»
كانت شفتاه مزمومتَين. لمستهما بأصابعها.
– «أنا اليوم عصبية قليلًا. لم أقصد ما قلت.»
– «لا يجب كبت الآخرين يا ملاكي.»
– «أنا آسفة حقًّا. أنت تعرف شعوري نحوك.»
– «كيف؟»
– «أنا مجنونة بك.»
– «أحقًّا يا حبيبتي؟» وقبَّلها بسرعة على وجنتيها: «سأتصل بك يوم الإثنين.»
– «كلمني في المكتب.»
توقف الأتوبيس على بُعد أقدام قليلة أمامها.
قالت: «لا بد أن أذهب الآن. اتصل بي.»
قال وهي تستدير وتجري بحذاءِ الليلة الماضية نحو أتوبيس طريق ماديسون المُزدحم الذي كان بالانتظار: «تحياتي إلى مُحلِّلك النفسي.»