الكوزمولوجيا الإسلامية مقارنةً
بالهندوكية
في حديثٍ للنبي
ﷺ: إن أول شيء خلقه الله
القلم (والله — هنا — الحقيقة الأولى غير المتجلية
في نزوعها الإلهي إلى التجلِّي، أو هي أول تعيُّن
إلهي بغية الخلق)؛ خلقه من نور، وخلقه من درَّةٍ
بيضاء، طولها طول ما بين السماء والأرض (المسافة
التي تفصلهما هي البعد الشاسع بين التجلِّي غير
المتعيِّن والتجلِّي المتعيِّن). ثم خلق اللوح (=
اللوح المحفوظ)، خلقه أيضًا من درَّةٍ بيضاء، سطحه
من ياقوت أحمر، طوله طول ما بين السماء والأرض،
وعرضه عرض ما بين المشرق والمغرب (أي: يشتمل على
جميع إمكانيات التجلِّي). وفي حديثٍ آخر: إن عند
الله لوحًا، أحد وجهيه ياقوت أحمر، ووجهه الآخر
زمرد أخضر (اللونان يدلان على تمايز الاتجاهات
الكونية، تمامًا مثلما يدل على ذلك الأحمر بالنسبة
إلى الأبيض. يقابل ذلك اﻟ «غونا» في العقيدة
الهندوكية)، أقلامه من نور (مبدأ تجلِّي العالم —
البوروشا الهندوكية — في اعتبار تكثر الأشعة
العمودية التي تناسب الإمكانيات الجوهرية المستمدة
من الأسماء الإلهية أو مظاهر الكائن).
١
وفي حديثٍ آخر يرويه ابن عباس: إن الله خلق
القلم قبل أن يخلق الخلق، وكان مستويًا على العرش
(أي إن الله يستوي على العرش بمقدار ما نلحظ درجة
من النسبية، والعرش هنا لا يعني التجلِّي غير
المتعين بل المفارقة الساكنة أو «الانفصال» الشاسع
بين المبدأ ومظاهره النسبية تقريبًا، بما يعني أن
المبدأ الأُنطولوجي يظل غير متأثر بالتقاطب
الثنائي الذي يصدر عنه التجلِّي الكوني).
٢ فلما نظر إليه القلم انكسر من هيبة
الله وسال منه المداد (يمثل المداد الإمكانية
الأولية غير المتمايزة من التجلِّي، بينما تمثل
الحروف تمايزها غير المحدود).
وبما أن الله يعلو على القياس البُعدي الذي
يُرمز إليه هنا بالقلم — وهو تعيُّنه الوجودي —
كان هذا — أي القلم — غير قادرٍ على أن يحصر في
حدود تعيُّنه اللاتعيُّن الإلهي الذي يتعذر على
القياس، فعبر عنه بطريقةٍ مغايرة. فالمداد إذن
انعكاس للإمكانية الكلية، وبما هو انعكاس لا يمكنه
أن يساوي غير الإمكانية الوحيدة من التجلِّي،
فتحول بالقلم إلى إمكانياتٍ وجودية لا حد
لتغايرها. والإمكانية الكلية هي جماع الأسماء
والأسرار الإلهية، وهنا أيضًا نجد المفهوم الأعلى
للحروف التي تشتمل عليها الذات الإلهية — وبالتالي
«اللاكائن» (أو غير المتعين)، أو بتعبيرٍ أدق
«الكائن الأعلى»، أو التي تشتمل عليها «الصفات» —
وبالتالي «الكائن»،
٣ من دون أن يمس ذلك بمفهوم «وحدة»
الكائن اتصالًا، أو «وحدته» انفصالًا.
٤ وعلى هذا النحو «تتمرأى» الحروف
العليا (المبدئية صرفًا، باعتبار كل منها الله،
ولكن ما من أحدٍ منها هو الآخر) في القلم «المخلوق
من نور» الذي يتلقى انعكاسها و«ينفطر» من وطأة
تعذر قياسيتها (مرموزًا إليه بالهيبة) لكي ينسخها
هيئة متجلية مخلوقة متآسرة.
يقول ابن عباس: إن القلم ينفطر والمداد يسيل إلى
يوم القيامة، أي ما دامت دورة التجلِّي الكونية.
وقال الله للقلم: اكتب! فقال القلم: ربِّ، ماذا
أكتب؟ فقال: اكتب علمي بخلقي، وكلَّ ما أنا خالق
إلى يوم القيامة (جماع إمكانيات التجلِّي المبطونة
في العلم الإلهي).
٥ وعن سعيد بن منصور: إن أول شيء كتبه
القلم: «إن رحمتي سبقت غضبي.»
٦ وعن ابن عباس أيضًا: إن القلم كتب
يومئذٍ كل ما سوف يُخلق إلى يوم القيامة
(البرالايا الهندوكية) وما قُدِّر عليه من خيرٍ
وشر وسعادة وشقاء. قال تعالى:
وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ (أي: قدَّرناه)
فِي إِمَامٍ (نموذج أصلي) مُبِينٍ
(يس: ١١)، ومعناه: كل شيء قدرناه في اللوح
المحفوظ. «عند الله لوح من الدر الأبيض ينظر الله
إليه كل يوم وليلة ستين وثلاثمائة نظرة،
٧ في كل نظرة يخلق ويرزق، يُميت ويُحيي،
يُذل ويُعز، ويفعل ما يريد» (أي: ما لا تستطيع
إرادة أن تبدله أبدًا، وهو ما لا يعرف الإنسان
أسبابه). وفي حديثٍ آخر: إن الله كتب مقادير الخلق
قبل خلق السموات (التجلِّي غير المتعين) والأرض
(التجلِّي المتعين) بخمسين ألف سنة (رقم رمزي يعبر
عن بُعد الشقة بين المبدأ والتجلِّي). يقول أحد
المفسرين: «يدل هذا الحديث على أن القلم سبق
(مبدئيًّا وأُنطولوجيًّا) العرش، وأنه أول الخلق
(هذه الكلمة لا تعني «المتجلِّي»
manifesté بل
«المتعيِّن»
déterminé)
وأن اللوح خُلق بعده.
٨
فإذا كان الخلق قد تم بعد خمسين ألف سنة من
كتابة «أقدار الخلق» (ومن المهم أن نؤكد أن هذا
البون الشاسع الزمني يبين رمزيًّا مفارقة القلم
واللوح لما يثمر عنه فعلهما المشترك، عندما نعتبر
هذا الفعل سابق تقدير
Prédestination
— بحسب الاصطلاح الغربي — بل حريٌّ بنا أن نقول
«قسمة»
répartition
أو «اختيار»
choix)، يتعين
علينا أن نفهم ذلك على أنه علاقة مبدئية صرف،
وبالتالي خارج نطاق الزمان. إن أداتَي التجلِّي
الكوني هما نفسهما الحرفان الأولان من الألفباء
الإلهية؛ أي «الألف» (وهي القلم) و«الباء» (وهي
اللوح)، وجميع الحروف الأخرى مبطونة في نقطة الباء
بالقوة، باعتبار أن هذه هي الصورة العاكسة للوحدة
الإلهية، فهي أول نقطة سالت من مداد القلم،
ومعناها «الرحمة».
والعمل المشترك الذي تقوم به هاتان الأداتان
الإلهيتان له مظهران، أحدهما مبدئي
Principiel
والثاني فعَّال أو تحقيقي
effectif،
طبقًا لما تذكره الروايات المتقدمة من أن القلم
كتب يومئذٍ كل ما سوف يُخلق إلى يوم القيامة، وأن
الله كتب المقادير قبل خلق السموات والأرض بخمسين
ألف سنة. لكن من ناحيةٍ ثانية، إن المداد يسيل إلى
يوم القيامة — أي إن القلم لا يكتب وحسب، وإنما
يكتب على نحوٍ دائم كلما تجلت الأشياء. في الحالة
الأولى يعيِّن إمكانيات التجلِّي في النسق
المبدئي، وفي الحالة الثانية يحققها في نسق
التجلِّي بفعله المباشر. كذلك نضيف أن وجهي اللوح
يساويان «البحرين» رمزيًّا؛ أي يساويان «المياه
العليا» و«المياه السفلى» اللتين تمثلان كلتاهما
الإمكانيات غير المتعينة والإمكانيات
المتعينة.
•••
والعرش، بما هو «الخلق الأول» بعد القلم واللوح
— وبالتالي تجلِّي أول كلمة مكتوبة، وهي «الرحمة»
— يتفق مع ما تسميه العقيدة الهندوكية اﻟ «بودهي»
Buddhi (أو
«مهات»)، الذي هو أول التجلِّيات كلها؛ أي فيما
يثبت براهما نفسه عقلًا كليًّا
Intellect
Universel. بناء على ذلك،
يمكننا أن نستشف على الفور أن القلم واللوح اللذين
يسبقان العرش ﺑ «خمسين ألف سنة» يتفقان تعاقبًا مع
المبدأين اللذين تدعوهما العقيدة الهندوكية
«بوروشا» (القلم) و«براكريتي» (اللوح)، وهما
القطبان غير المتجلِّيين لكل تجلٍّ.
٩ هنا تنهض أمامنا صعوبة منشؤها أن
القلم واللوح والعرش، التي تنتسب مع ذلك — كما
رأينا — إلى درجاتٍ من الحقيقة المتميزة تميزًا
متعذر القياس، تُعتبر «مخلوقة»، أو بتعبيرٍ أدق
«مخلوقة من نور»؛ لأن المنظور التوحيدي في الإسلام
لا يسلم في الله إلا بتمييز بين «الذات»
essence
و«الصفات»
Attributs،
١٠ ويعتبر «مخلوقًا» كل ما يبدو أنه
«شركٌ بالله».
١١ فالصفات كلها مظاهر من «الوحدة»،
بينما ليس للقلم واللوح (أو بوروشا وبراكريتي) من
سببٍ لوجودهما إلا في ثنائيتهما. أما النور الذي
يُنسب في آنٍ واحد — بما هو خاصية الخلق — إلى
«حقائق إلهية» وبالتالي غير متجلية، وإلى حقائق
كونية وبالتالي متجلية (أو بتعبيرٍ أدق إلى
التجلِّي غير المتعين)، فيجب أن نعلم أن الكون
يتألف من ثلاث درجاتٍ أساسية: أولاهما الطين،
والثانية النار، والثالثة النور. فجسم الإنسان،
مثل كل النسق الحسي (عالم الملك، في السنسكريتية
STHÛLA-SHARÎRA)
مخلوق من الطين، والكائنات اللطيفة (عالم الملكوت،
في السنسكريتية
SUKSHMA-SHARÎRA)
— أي الجن — مخلوقة من «النار». أما الملائكة وكل
النسق غير المتعين (عالم الجبروت، في السنسكريتية
KOSH A
VIJNANMAYA) فمخلوقة من
«النور». هذه الماهيات أو الأقْوِمة الكونية
الثلاثة، إن صح التعبير، هي تعبيرات ساكنة عن
الصفات أو الاتجاهات الملازمة للكون — في العقيدة
الهندوكية يقال لها: غونا
Gunas — بمعنى
أن الطين (أو بتعبيراتٍ أدق «الصلصال» الذي خُلق
منه جسد آدم) أو التجلِّي الكثيف ظلمة أو جهل
(
TAMAS)،
والنار أو التجلِّي اللطيف امتدادٌ أو عاطفة
(
RAJAS)،
و«النور» أو التجلِّي غيرُ المتعين توجهٌ إلى
«الحقيقة» وتطابقٌ مع «الكائن»
(
SATTWA).
فإذا كانت ذروة الكون نورًا بسبب تطابق هذا الأخير
مع «الكائن»، كان «الكائن نفسه» نورًا من باب أولى
(عالم العزة أو عالم الغيب، في السنسكريتية
ANANDAMAY A
KOSHA)؛ لأن نورانية السماوات
لا يمكن أن تُستمد إلا من «نور الله». القول إن
السموات «مخلوقة» من النور لا يمكن أن يعني، تبعًا
لذلك، إلا شيئًا واحدًا، هو أنها وحدها تتطابق
مباشرة مع النور الإلهي، وتتواحد تبعًا لذلك مع
هذا النور بمعنى الوحدة الجوهرية
Identité
essentielle، فالله هو
بالضرورة الأصل
Archétype في
كل نور:
اللهُ نُورُ
السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ (سورة
النور: ٣٥).
•••
يقول ابن أبي حاتمٍ في تفسيره: إن الله خلق
العرش من نوره، والكرسي من الأرباض التابعة للعرش،
وجعل حول العرش أربعة أنهر: نهر من نور متلألئ،
ونهر من نارٍ مضطرمة، ونهر من ثلجٍ ناصع البياض،
ونهر من ماء. والملائكة واقفون في هذه الأنهر
يسبحون الله تعالى، والله تعالى قد «استوى على
العرش»، واستندت قدماه — إحداهما ترمز إلى
«الجلال» أو «الغضب»، والأخرى إلى «الجمال» أو
«الرحمة» — إلى الكرسي الذي ينطوي على التجلِّي
المتعين. أما العرش الذي يشكل التجلِّي غير
المتعين، ﻓ «مخلوق من نور»؛ ولذلك سُمي ﺑ «العرش
المحيط»، كما جاء في القرآن الكريم، من حيث إن
الكون غير المتعين يحيط بالكون المتعين. ومن
الكرسي يشع الجلال والرحمة على الأرض، فتقوم
الرحمة بالاستيلاء على الكرسي، كما يتبين ذلك من
الكتابة على العرش التي سبق إيرادها: «إن رحمتي
سبقت غضبي.» ثم يمضي ابن أبي حاتم في شرحه قائلًا
إن الله تعالى خلق العرش من الزمرد الأخضر، وأنشأ
له أربعة أعمدة من الياقوت الأحمر، ما بين العمود
والعمود مسيرة ألف عام … ويحمل الأعمدة ثمانية
ملائكة، وهو كالقبة فوق الملائكة والبشر.
١٢
يُورِد هذا التفسيرُ الحديثَ النبوي القائل إن
العرش (الذي يتواحد هنا مع «الرُّوح») كان على
الماء (الإمكانيات الكونية)، وعندما خلق الله
السموات جعله فوق السموات السبع وجعل السحاب
١٣ مصفاة للمطر (الرحمات الرُّوحية أو
النفسية أو حتى الفيزيائية التي تصدر عن العرش
الذي تكون منه السماء المرئية الصورة الأرضية)،
ولو لم يكن كذلك لغرقت الأرض (ولَانْعَدَمَ
التجلِّي أو لَتلقَّفتْه «الرحمة الإلهية» إليها
كما لو حل محل اسمه «الرحمن» اسمُه «الرحيم»).
١٤ ويضيف ابن عباس أن ماء المطر يأتي من
بحر موقعه بين السماء والأرض، وهو بحرٌ غزير الماء
… وقد عهد الله تعالى بالمطر إلى الملائكة، ما
تنزل قطرة من ماء إلا ويصحبها ملَك يضعها في
المكان الذي اختاره الله على اليابسة (العالَم
الفيزيائي) أو على البحر (البحر المحيط، أي العالم
اللطيف الذي يحيط بالعالم الكثيف مثلما يحيط
العالم غير المتعين بالعالم المتعين، ومن باب أولى
مثلما يحيط الله بالعالم غير المتعين ومعه كل
العوالم السفلية). وعندما يضع الملَك قطرة الغيث
على الأرض يخلق منها الله القمح والكلأ (النعم
التي لا غنى عنها للحياة الفيزيائية للإنسان
والحيوان)، وعندما يضع قطرة الماء في البحر، يخلق
الله منها الدراري الصغيرة والكبيرة (النعم
المتعلقة بالحياة النفسية والرُّوحية أو المتعلقة
تعاقبًا ﺑ «الأسرار الصغيرة» و«الأسرار
الكبيرة»).
•••
رأينا أن العرش في الإسلام يكافئ «بودهي» في
الهندوكية. ويظهر هذا التكافؤ على أظهر ما يكون في
المقطع التالي من «مَنْوا-ذرْما-شَسْترا» (١،
١٢–١٥).
«بقي الرب براهما في بيضة البدء (هِران يا
غَرْبها) سنةً إلهية، ثم شاء أن تنقسم هذه البيضة
قسمين فانقسمت، ومن هذين القسمين خَلق السماء
والأرض، وأنشأ فيما بينهما الهواء والأقطار
السماوية الثمانية ولجة المياه الدائمة … وقبل أن
يخلق المعنى الداخلي
(manas)
والضمير الفردي
(AHANKARA)
خلق مبدأ العقل الأكبر BUDDHI,
MAHAT, …»
تتفق هذه الأقطار السماوية الثمانية مع دائرة
العرش، وهي مثلها مؤلفة من أربع جهات أصلية وأربعٍ
فرعية. والآلهة الثمانية
DEVAS الذين
يتولون حراستها يتواحدون تمامًا مع الملائكة
الثمانية حملة العرش، الذين هم أيضًا قائمون في
الجهات الأصلية والجهات الفرعية. وتقع «لجة
المياه» تحت السماء، كالبحر الواقع تحت العرش الذي
يصدر عنه «المطر». ثم إن «مهات» تتواحد مع السماء
بما هي أول «مقام للنور»؛ وبالتالي نوع من «مقام»
مهات الذي يشيع فيه، ومنه يخترق ويحكم جميع
العوالم، مثل تريمورتي
TRIMURTI.
كذلك يقيم الملائكة الأربعة الكبار (جبرائيل،
ميكائيل، إسرافيل، عزرائيل) في السموات تحت قبة
العرش الساطعة ويتواحدون مع العرش إذ يحيط بجميع
العوالم، بما هم وظائف «العرش المحيط»، إن صح
التعبير. و«الرُّوح» الذي يقيم في وسط العرش ليس
سوى «براهما» المولود من «بيضة الذهب»: «عندئذٍ
ظهر الرب القيوم الذي لا يُرى أبدًا فأظهر العالم
الذي صار مرئيًّا … وبدد الظلمات «ليكن نور» (كما
في سفر التكوين) … هو الذي لا يدركه إلا العقل؛
خلق الماء قبل كل شيء وأودع فيه جرثومة
١٥ أصبحت بيضة ساطعة كالذهب انبثق منها
ألف شعاع، وفي هذه البيضة وَلَد الرب نفسه فكان
براهما بكرُ كل خليقة» (مَنْوا-ذَرْما-شَسْترا، ١،
٦، ٩).
•••
جاء في الحديث أن أكبر الملائكة اسمه «الرُّوح»،
وفي القرآن الكريم يقول الله تعالى: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ
وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا (النبأ: ٣٨)،
ويقول أيضًا: مِنَ اللهِ ذِي
الْمَعَارِجِ (٣) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ
وَالرُّوحُ إِلَيْهِ (المعارج، ٣-٤)،
ويقول أيضًا: تَنَزَّلُ
الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا (في
ليلة القدر) (القدر، ٤). يحتل هذا الملك، الذي
اسمه الرُّوح، يوم القيامة صفًّا واحدًا لضخامة
جِرْمه، ويحتل سائر الملائكة صفًّا آخر، ويهيمن
الرُّوح عليهم جميعًا.»
أما الملائكة عمومًا فيقال إن الله خلقهم من
نورٍ مشع، ويصنَّفون في فئاتٍ مختلفة: منهم من
يشبه بني آدم في خلقته، ومنهم من يسكن في السموات،
ومنهم من يقيم في الأرض، وآخرون موكلون بحفظ بني
آدم، ومنهم أيضًا حمَلة العرش. ويأتي فوق الجميع
الرُّوح وجبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل. خلق
الله الملائكة الأربعة الكرام، ووضع في أيديهم
شئون الخلق وإدارة الكون كله؛ أوكل إلى جبرائيل
تبليغ الوحي والرسالات، وإلى ميكائيل المطر
والزرع، وإلى عزرائيل قبض الأرواح، وإلى إسرافيل
النفخ في الصور يوم القيامة.
١٦
نخلُص من هذه الإيضاحات إلى أن «الرُّوح» (أو
سيدنا ميطاطرون) يتطابق، كما قلنا فيما تقدم، مع
«المبدأ الخالق»، براهما، تطابقًا أظهر مما يقال
له «الرُّوح» في سفر التكوين: «وكان رُوح الله
يَرِفُّ على وجه المياه.»
أما سيدنا إسرافيل وسيدنا ميكائيل فيتواحدان في
وظيفتهما تعاقبًا مع المظهرين الأساسيين
والمتكاملين من «فشنو»
VISHNU؛ ذلك
أن هذين الملَكين يُثْبتان التجلِّي: الأول
بالمعنى العمودي (أو بحسب البُعد المبدئي)، أي
ببعث الموتى في نهاية الدورة، والثاني بالمعنى
الأفقي (أو بحسب بُعد التجلِّي)، بمنح الحياة
والرزق للكائنات.
وأما سيدنا جبرائيل وسيدنا عزرائيل، فيتواحدان
في وظيفتيهما تعاقبًا مع مظهرين أساسيين ومتكاملين
من «شيفا» SHIVA.
فهذان المظهران يقضيان على التجلِّي أو يغيرانه أو
يمتصانه: الأول بالمعنى العمودي، أو على نحوٍ
إيجابي إذ يعيد التجلِّي إلى مبدئه، والثاني
بالمعنى الأفقي، أو على نحوٍ سلبي، أي بواسطة
التدمير (أو بالأحرى بواسطة التفريق أو الفصل أو
التقويض). من جهةٍ أخرى، ينتشر الملائكة الخمسة
الكبار في جميع أقطار الكون حتى يبلغوا إلى النسق
الجسماني، ويتم هذا الانتشار تحت مظهر خمسة عناصر،
هي أيضًا، لا في أساس التجلِّي بما هو كذلك، بل في
أساس العالم المحسوس الذي يرمز إليه تكامليًّا.
وهكذا يمنح إسرافيل الحياة بقوة المبدأ (بأمر
الله)، وبالتالي على نحوٍ شبه فوق-طبيعي أو معجزي،
لا عبر سلسلة السببية من النسق الفيزيائي صرفًا،
أو «الأفقي». على حين يمنح ميكائيل الحياة على نحو
طبيعي، أو بواسطة السببية العادية. ثم هناك فرق
يماثل تمامًا الفرق بين الهواء، بما هو قوت بدئي
وعالمي في نطاق العالم الأرضي، وبين الماء، بما هو
قوت ثانوي نسبيًّا بالقياس إلى الهواء. أو أيضًا،
إن جبرائيل يعيد التجلِّي إلى مبدئه بطريقةٍ
مبدئية، بينما يرده عزرائيل إلى العدم بطريقةٍ
متجلية. كما تقوم النار بردِّ المادة إلى الجوهري
في نحوٍ من الانضمام المباشر، يقوم التراب بامتصاص
المادة ويردها إلى المادية على نحوٍ من الانضمام
غير المباشر. ثم إن «الرُّوح» يتمثل هنا بالأثير
الذي يحتوي العناصر الأخرى ويشيع فيها، «تمامًا
كما يحتوي كبار الملائكة ويشيع فيهم».
•••
عن ابن عباس أن إسرافيل سأل الله تعالى أن يمنحه
قوة سبع سموات فاستجاب الله إلى سؤاله، وسأله
أيضًا أن يمنحه قوة الثَّقَلين (الإنس والجن، أي
قوة مَن لم يُخلقوا من النور كالملائكة، بل الذين
خُلقوا تعاقبًا من تراب ونار، وهما العنصران
اللذان عُبِّر عن ماديتهما بفكرة الثَّقَل)،
فاستجاب إلى طلبه، وأن يمنحه قوة السباع فاستجاب
إليه. تعني هذه الطلبات سابق الاستعداد القابل
للعقل الملائكي. بديهيًّا، إن القوة التي يريدها
إسرافيل هي القدرة الإلهية، لا قدرة أخرى غير
مستمدة منها، كما يدل على ذلك باقي الرواية، على
الرغم من المعنى المعاكس. ثم يمضي ابن عباس في
روايته: ومن أخمَص قدميه إلى مفرِق رأسه شعر
وأفواه وألسنة؛ كل لسانٍ يسبح الله تعالى بألف
لغة، ويخلق الله ألف ألف ملَك، كل ملَك يسبح الله
إلى يوم القيامة، وهؤلاء هم «المقربون» و«حملة
العرش» و«الكرام» و«الكاتبون» (الذين يكتبون
الأقدار)؛ كل واحدٍ منهم في هيئة إسرافيل.
وإسرافيل ينظر إلى الجحيم كل يومٍ وليلة ثلاث
مرات، ويدنو منها بدون أن يراه أحدٌ ويبكي، يهزل
جسمه حتى ليغدو مثل وتر القوس، ويبكي بكاءً مرًّا.
١٧
أما ميكائيل فقد خلقه الله تعالى بعد إسرافيل
بخمسة آلاف سنة، شعره من الزعفران من قمة رأسه إلى
قدميه، وجناحاه من زبرجدٍ أخضر. في كل شعرةٍ منه
ألف ألف وجه، في كل وجه ألف ألف عين، يبكي بكل عين
رحمة للمذنبين من المؤمنين، في كل وجه ألف ألف فم،
في كل فم ألف ألف لسان، كل لسان ينطق بألف ألف
لغة، كل لسان يسأل الله تعالى المغفرة للمؤمنين
والمذنبين، كل عينٍ قطر منها سبعون ألف دمعة،
ويخلق الله تعالى من كل دمعةٍ ملكًا على هيئة
ميكائيل يسبح الله تعالى حتى يوم القيامة، وهؤلاء
هم «الكروبيون»، وهم أعوان ميكائيل، عاكفون على
تصريف المطر وتعهد النبات والزرع والثمر، ما من
شيءٍ في البحر، وما من ثمرٍ على شجر أو نبتة على
الأرض ليست تحت سلطانه أو لا يهتم بها.
١٨
•••
أما جبرائيل فقد خلقه الله بعد ميكائيل بخمسمائة
سنة، له ألف وستمائة جناح، شعره من الزعفران من
رأسه إلى قدميه، الشمس بين عينيه، والقمر والنجوم
تسطع على كل شعرةٍ منه، وفي كل يومٍ يدخل في بحر
النور المحيط سبعين وثلاثمائة مرة، وعندما يخرج من
البحر يسقط من كل جناحٍ من أجنحته ألف ألف قطرة،
ويخلق الله من كل قطرةٍ ملكًا على هيئة جبرائيل ما
زال يسبح الله تعالى حتى يوم القيامة؛ هؤلاء هم الرُّوحانيون.
١٩
•••
يشبه عزرائيل هيئة إسرافيل بما له من وجوهٍ
وألسنةٍ وأجنحة وقدرة، لا يزيد عليه ولا ينقص عنه.
وفي حديثٍ مسند إلى النبي
ﷺ: إن الله تعالى
عندما خلق ملك الموت حجبه عن الخلق بألف ألف حجاب،
جِرمه أكبر من السموات والأرض، بلاد المشرق
والمغرب بين يديه مثل طبق فيه كل شيء، أو كإنسانٍ
موضوع بين يديه لكي يأكله فيأكل منه ما يشاء.
٢٠ كذلك ملك الموت يقلب الدنيا بين يديه
كما يقلب الناس الدراهم في أيديهم. مصفَّد بسبعين
ألف سلسلة، طول كل سلسلة مسيرة ألف عام، لا يقرب
منه الملائكة ولا يعرفون مكانه، ولا يسمعون صوته
ولا يعلمون شيئًا عن حاله. وعندما خلق الله الموت
أوكله بملك الموت. قال هذا: ربِّ، ما الموت؟ فأمر
الله الحُجُب التي تحجب الموت أن تسقط عنه، فيراه
ملك الموت، فيقول الله للملائكة: «قفوا وانظروا،
هذا هو الموت»، فيظل جميع الملائكة واقفين
ويقولون: «ربنا، هل خلقت خلقًا أشد منه رهبة؟»
فيقول الله: «لقد خلقته وأنا أكبر منه وكل مخلوق
ذائقه». ثم يقول الله عز وجل: «يا عزرائيل، دونك
فخذه! لقد أخضعته لك»، فيقول عزرائيل: «يا إلهي،
بأي قدرةٍ آخذه، فهو أكبر مني؟» فيعطيه الله
القدرة، فيأخذ عزرائيل الموت ويبقى بين يديه. ثم
يقول الموت: «رب ائذن لي أن أصيح في السموات صيحةً
واحدة! فيأذن له الله تعالى بذلك، فيصيح الموت
صيحةً مدوية:
٢١
أنا الموت، مفرق الأصحاب!
أنا الموت، مفرق الزوج عن زوجه!
أنا الموت، مفرق البنات عن
أمهاتهن!
أنا الموت، مفرق الأخ عن أخواته!
أنا الموت، هادم المنازل والقصور!
٢٢
أنا الموت، مالئ القبور!
أنا الموت، الذي يسعى إليكم فيدرككم
وَلَوْ كُنْتُمْ
فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ
(النساء: ٧٨)، «فلا يبقى مخلوق لا
يذوقني.»
ثم يبين الحديث أن عزرائيل يقبض
أرواح بني آدم وغيرهم من الكائنات كالطير وحيوان
البر وكل ذي رُوح. ويبين أيضًا أن هذه الصفات
مماثلة لصفات إسرافيل، وأن له عرشًا في السماء
السادسة، وأن له أربعة أجنحة تمتد ما بين المشرق
والمغرب، أما سائر بدنه فتغطيه عيون بعدد الخلق
تحدِّق في كل ذي رُوح، وعندما يقبض رُوحًا من
الأرواح تُطْبِق العين التي كانت نظرت إليه،
وعندما يموت الخلق كلهم لا تبقى إلا عينه (عين عزرائيل)
٢٣ فيعلم أن لم يبق له سوى هذه العين
(التي سوف تنطفئ بدورها عند نهاية العالم).
٢٤
•••
تعجز جميع هذه الأوصاف التي ذكرناها، بما فيها
من تعقيدٍ يجعلها عصية على الفهم للوهلة الأولى،
وبما فيها أيضًا من هوليةٍ ظاهرة؛ تعجز عن ترجمة
الحقائق السماوية بلغة البشر. فالفكر البشري
العاجز في نفس الوقت عن إدراك هذا التنوع الهائل
من المظاهر، خصوصًا عندما تكون لطافتها وتعقيداتها
منطوية على تناقضاتٍ في الظاهر، وتكون خاضعة إلى
أنواعٍ من الحركات التي لا تتوقف؛ نقول إن الفكر
البشري لا يسعه الإحاطة إلا بصورةٍ متكسرة متجمدة
متبسطة تافهة من الحقائق التي تتجاوزه. إنه تجاوز
ما ينبغي له الإحاطة به هو الذي يخترق حدود
التعبير الطبيعية. أن نَصِفَ حقيقةً سماوية هو أن
نَصِفَ لحنًا، إن صح التمثيل، أو على الأخص لحنًا
متعدد الأصوات، أو أن نَصِفَ الحركاتِ التي لا
نهاية لتمايزها المتناسقةَ مع أمواج المحيط
لِأَعمى ما سَمِعَ بالبحر قط. إن جسامة ما ينبغي
أن نعبر عنه بوسائل محددة ضعيفة يمنح الصور أو
التشبيهات صفة المسودَّة من جهة، ومن جهةٍ ثانية
سمة الرعب التي تترجم التباين الشديد بين الأبعاد
السماوية والمادة الأرضية.
•••
تتيح لنا الوحدة الجوهرية القائمة بين «الموجود
بذاته» SWAYMBHU
و«براهما» المولود من البيضة الذهبية
HIRANYAGARBHA؛
تتيح لنا هذه الوحدة أن نفهم هذا الحديث النبوي:
«كان الله في عَماءٍ ما فوقه هواء وما تحته هواء،
ثم خلق عرشه على الماء». وقد جاء في سفر التكوين
أن «رُوح الله» (= رُوح إيلوهيم) يَرِفُّ على وجه
المياه». إن رُوح الله هو الله، لكنه يتواحد هنا
مع «التجلِّي الإلهي» ومع «عرشه على الماء». وفي
الكوزموغونيا (نشأة الكون) الهندوكية أن الذي
«يسير على المياه» (نارايانا) ليس هو الكائن الذي
يتقاطب إلى «بوروشا» و«براكريتي» وحسب — من حيث إن
براكريتي تمثل الماء (الوجودي) — وإنما هو أيضًا
الرُّوح الإلهي المتجلِّي، براهما. ويقال إن
«نارايانا» بعد أن أودع البيضة الذهبية الماء «ولد
نفسه ثانية في هيئة براهما» (وهو الجانب المركزي
الخلاق من «مهات»). والحال أن «فشنو» (الجانب الذي
يتولى الحفظ) الذي يتسمى أيضًا باسم «نارايانا»،
لأنه وهو غير متعين يتحرك فوق مياه التجلِّي
المتعين. إن «فشنو نارايانا»، وتوسعًا «مهات» أو
«بودهي»، إذن هو التجلِّي المباشر أو البدئي من
«نارايانا الأعظم»، كما أن المياه المتعينة
انعكاسٌ للمياه غير المتعينة. يجب ألا يغيب هذا عن
بالنا ونحن نقابل مفهوماتٍ متباينة في الظاهر
كالتي نجدها في المصطلحات العربية من مثل «العرش»
و«الرُّوح» و«النور». بعبارةٍ أخرى، إن «العرش»، ﮐ
«النور» و«الرُّوح»، حقيقة جوهرية أو «عمودية».
وبما هي كذلك، يمكننا اعتبارها درجات تثبت نفسها
في هذه الحقيقة بصورةٍ مستقلة. ويمكننا القول
تبعًا لذلك إن العرش بحد ذاته، وبصورةٍ مستقلة عن
درجات الحقيقة، حاجزٌ يفصل المبدأ عن انكساره، لكن
هذا الحاجز، في نفس الوقت، كُوَّة لأنه لا يخفي
تعذر قياسية الله وحسب، وإنما يعبر عنها وينقلها
بواسطة الرُّوح أيضًا. العرش والماء، إلى حد ما
نتأمل فيهما، ليسا منفصلين أحدهما عن الآخر؛ لم
يكن للعرش من سببٍ للوجود لولا أن فيه شيئًا تقوم
عليه الألوهة، وكذلك الماء، لا يمكن فهمه إلا أن
يكون منفصلًا عن مبدئه المتعالي بواسطة انقطاع
مبدئي، بدونه يكون متواحدًا مع هذا المبدأ.
لذلك نبيح لأنفسنا أن نعرِّف الرُّوح بأنه
إثباتٌ للوحدة (الإلهية) في جميع درجات الوجود
الكوني، وهذا يصدق على النور أيضًا، على الرغم من
وجود شيء من الاختلاف. فالرُّوح، أكثر ما يتمثل،
يتمثل مركزًا أو إشعاعًا أو تنزلًا أو حضورًا أو
كمونًا، على حين أنه يمكننا القول إن النور هو
«الجوهر الإلهي»، مع جميع التحفظات التي تفرضها
هذه الطريقة من التعبير. أما العرش فيزيد عليهما
بما له من مظهرٍ كلي توحيدي، هو الدائرة التي يقوم
الرُّوح في مركزها ويكون النور مادتها.
•••
نقطةٌ أخيرة يجدر بنا كشف النقاب عنها، هي
التالية: في الحديث النبوي، يُدعَى المسيحُ رُوح
الله، منظورًا إليه هنا بحسب طبيعته البشرية فقط،
إِنَّ مَثَلَ عِيسَى
عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ
تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ
فَيَكُونُ (المائدة: ٥٢)، فسيدنا
عيسى، وشأنه في هذا كشأن سيدنا آدم، ليس له أب
بشري؛ كلاهما رُوح الله. وهذا يتيح لنا أن نفهم
بصورةٍ أفضل معنى سجود الملائكة لآدم (البقرة:
٣٢)، وهم كائنات محيطية، على الرغم من نورانيتهم،
وهم لهذا السبب خاضعون للرُّوح، الذي يجب أن نفهم
فيه أيضًا وظائفه المتمثلة في كبار الملائكة
الأربعة. يمكننا أن نرمز للرُّوح بالعدد «١»،
٢٥ وللملائكة بالعدد «٢»، ولآدم بالعدد
«٣». العدد «٢» أقرب إلى الوحدة من العدد «٣»، لكن
هذا يعكس الوحدة على نحوٍ تام ومكافئ، لا تجزئة
كما يفعل العدد «٢». لذلك لم يكن الملائكة، على
الرغم من أنهم أعظم من آدم من حيث جوهرهم
النوراني، مخلوقين على صورة الله، إنما هم مظاهر
منه، بمعنى أن كل ملكٍ لا يعكس غير مظهرٍ واحد من
هذه المظاهر أو «الأسماء» دون المظاهر أو الأسماء
الأخرى. على حين أن آدم، على الرغم من أنه أدنى من
الملائكة في جوهره الذي هو من «طينٍ لازب»، مخلوق
على صورة الله رأسًا، ويعكس حقيقة الله في وحدتها
التامة. الملائكة يقيمون في جوار العرش، ما داموا
مخلوقين من جوهره النوراني، لكنهم يبقَون في
محيطه، من حيث إن المركز يحتله الرُّوح. وسيدنا
آدم، في وجوده الأرضي، مُبعد عن العرش، لكنه يقيم
في الشعاع المركزي من هذا الأخير، في نهاية المحور
العمودي الذي هو مكان الوحي النبوي.