شمشون
ملِّقيه بحسنك المأجورِ
وادفعيه للانتقام الكبيرِ
إنَّ في الحسن — يا دليلةُ — أفعى
كم سمعنا فحيحها في سريرِ!
أسكرتْ خدعة الجمال هرقلًا
قبل شمشون بالهوى الشريرِ
والبصير البصير يُخْدَع بالحُسْـ
ـن وينقاد كالضرير الضريرِ
ملِّقيه فالليل سكران واه
يتلوى في خدره المسحورِ
ونسور الكهوف أوهنها الحبْـ
ـبُ فهانت لديه كالشحرورِ
وعنا الليث للبوءة كالظبْـ
ـي فما فيه شهوة للزئيرِ
•••
شبق الليث ليلةً فتنزَّى
ثائرًا في عرينه المهجورِ
تقطر الحمَّة المسعرة الشهْـ
ـهَاءُ منه كأنه في هجيرِ
يضرب الأرض بالبراثن غضبا
ن فيُصدي القنوطُ في الديجورِ
ووميض اللظى يغلِّف عينيْـ
ـه فعيناه فَوْهَتَا تنُّورِ
ونزا من عرينه تتشظى
حممٌ من لظاه في الزمهريرِ
واللهاث المحموم من رئتيه
يشعل الغاب في الدجى المقرورِ
فسرى الذعر في الذئاب ففرتْ
وترامى إلى عشاش النسورِ
فانشقي فورة الحرارة من جسْـ
ـن تردت من كهفها المخدورِ
تنضح اللذةُ الشهية منها
خمرةٌ من جمالها المأثورِ
فَتَنِثُّ العبيرَ في مخدع الليـ
ـل فتَشهى حتى عروقُ الصخورِ
فتلاشى اللهيب في سيد الغا
ب أمير المغاور المنصورِ
والعظيم العظيم تضعفه أنـ
ـثى فينقاد كالحقير الحقيرِ
ملِّقيه ففي أشعة عينيـ
ـك صباحُ الهوى وليلُ القبورِ
وعلى ثغرك الجميل ثمار
حجبتْ شهوة الردى في العصيرِ
ملِّقيه فبين نهديك غامت
هوة الموت في الفراش الوثيرِ
هوة أطلعت جهنمُ منها
شهواتٍ تفجرت في الصدورِ
ملِّقيه ففي ملاغمك الحمْـ
ـر مساحيقُ معدن مصهورِ
يسرب السمُّ من شفافتها الحرْ
رَى إلى ملمس الردى في الثغورِ
•••
خيم الليل — يا دليلة — في الغاب
وأغفى حتى الشذا في الزهورِ
فانشقي فورة الحرارة من جسْـ
ـمي وغذِّي قواك من إكسيرِي
أنت حسناء مثل حية عدْن
كورود الشارون ذات العطورِ
وكَغُفْر الوعل الوديع وإنْ كنْـ
ـتِ تناجين عقربًا في الضميرِ
لست زوجي بل أنت أنثى عقاب
شرس في فؤاديَ المسعورِ
فاشتهي كل ليلة مخلبي الدَّا
مي على خزِّ جسمك المخمورِ
•••
وأتى الصبح ضاحك الوجه يرغي
زبد النور في ضحاه الغريرِ
أين شمشون يا صحاري يهوذا
أين حامي ضعيفك المستجيرِ
أين قاضيك دافع الضيم طاغي الـ
مستبدين صائن الدستورِ؟
أعورتْ شهوةٌ من الحب عينيْـ
ـه وكم أعورَ الهوى من بصيرِ!
إنَّ قاضي المستعبدين لعبدٌ
وقضاةٌ عُورٌ قضاة العورِ
•••
حفلت قاعة العقاب بجمعٍ
من سراة المُسَوَّدين غفيرِ
هم رموز الشقاق والفتن الحمْـ
ـراء والغدر والزنى والغرورِ
أقبلوا يشهدون مصرع شمشو
نَ على لذة الطلا والزمورِ
بؤرة تعبق القذارة منها
ستِّرت بالشفوف والبرفيرِ
أيدين الخاطي جناةٌ صعاليـ
ـك ويقضي الفجور ذنب الفجورِ؟
وسرت خمرة الوليمة في الحفْـ
ـل لتقديس ساعة التكفيرِ
وكأن النسيم شُوِّق للخمْـ
ـرة فانسلَّ من شقوق الخدورِ
ولِنقْر الدفوف صوت غريب
يتحدى صوت العقاب الأخيرِ
وإذا قَيْنة تخالجها السكْـ
ـر على مشهد من الجمهورِ
فتثنت تضاجع الجو نشوى
من تلوِّي قوامها المحرورِ
رقصة الموت — يا دليلة — هذي
أم تراها اختلاجةً في الخمور؟
وصغا الجمع للأسير يناديـ
ـه بشتى مطاعن التحقيرِ:
«هيه شمشون أيها الفاجر الزنـ
ـديق يا عبد يَهُوهَ المقهورِ
أحكيم من العتاة تذرِّي
شعره قينة من الماخورِ؟»
فتلوَّى شمشون في القيد حتى
حل فيه روح الإله القديرِ
فنزا نزوة الوميض من الغِلْـ
ـلِ ودوَّى كنافخ في صورِ:
بددي يا زوابعَ النارِ أعدا
ءَ إلهي ويا جهنمُ ثُورِي
وتنفسْ يا موقد الثأر في صدْ
ري وأغرقْ نسلَ الرِّيَا في سعيرِي
وامصُصِي يا دليلة الخبث من قلْـ
ـبي فكم مرة مصصت قشورِي
وارقصي إنما البراكين تغلي
تحت رجليك كالجحيم النذيرِ
وتغنَّيْ بمصرعي فكثيرًا
ما سمعت الفحيح في المزمورِ
أصبح الليث في يديك أسيرًا
فاطرحيه سخريَّةً للحميرِ
واجعلي الغلَّ رمز كل صريح
واليواقيت رمز كل غدورِ
إنْ أكن سقت في غرامك شرًّا
فالبرايا مطية للشرورِ
غير أني أجنِي من الجِيَفِ الجرْ
داءِ — مهما قذرتُ — شهد قفيرِ
هيكلَ الإثم لم أُبحْ لك ذلي
شبحَ الرق لم أسلِّمْك نيرِي
فاسقطي يا دعائم الكذب الجا
ني وكوني أسطورة للدهورِ
مَحَقَ الله فيَّ شر ظلامي
فلتضئ في الحياة حكمة نورِي
إنْ تكن جزَّت الخيانة شعري
في ضلالي فقوتي في شعوري
١٩٣٣