حديث في الكوخ
سمعتني أقول شعرًا شقيًّا
يستفزُّ الآلام في سامعيهِ
فتلاشت وتمتمت في سكون الـ
ـلَيْلِ: «ألله! ما الذي يشقيهِ؟»
ثم أخفت في ضفة العين دمعًا
شاء سر الوقار أنْ تخفيهِ
•••
قلت: «في مقلتيك خمر العذارى
فهْي إكسيرك الذي تحجبينهْ
ما خمور الكئوس مهما تلظت
كخمور القلب الذي تعصرينهْ
تسكبين الشعر الطروب من العيـ
ـن وفي النفس غير ما تسكبينهْ
إنَّ فيها آيات حزن أليم
ورموزًا من الليالي حزينه!»
•••
وتمادى السمَّارُ في خمرة الكأ
س وكل منهم سها كأخيهِ
وعزيف الأوتار يمزج بالخمْـ
ـر عصيرًا أرقَّ من شاربيهِ
قلت: «في مهجتي فراغ رهيب
فاعصري فيه فلْذة تملئيه!»
•••
فأمالت عني عيونًا سكارى
وأمالت إليَّ قلبًا شقيَّا!
وأذابت من مقلتيها رحيقًا
جرعته الشجون في مقلتيَّا
ثم قالت: «خبرت حب البغايا
فنظمتَ العذاب شعرًا بغيَّا!»
فتبينت كل ما أضمرته
حين مالت عني ومالت إليَّا
•••
وتراءى في رفرف الليل مولو
دٌ عليه غلالة من أبيهِ
فأطلت من كوة الكوخ والليـ
ـل يزف الضحى إلى ساهريهِ
قلت: «فيما تفكرين؟» فقالت:
«في سكون الدجى وفيما يليهِ!»
•••
واشرأبت من الكوى الأعناقُ
وأذابت بريقَها الأحداقُ
واستفاقت من نومهنَّ العذارى
حائراتٍ والعاشقون استفاقُوا
الخليُّون أومَئُوا بيديهم
وبطرف اللواحظ العشاقُ
واستفاق الجميع من نشوة الخمْـ
ـرة حتى الآمال والأشواقُ
•••
قلت: «فيما تفكرين؟» فقالت:
«في يراع سحرُ الهوى من ذويهِ
في يراع علَّمتَه الحب حتى
صرت أهواه صرت من عاشقيهِ!»
فذكرت الماضي وقلت لقلبي:
إنها — يا شقي — تهواك فيهِ
•••
أيها الفجر يا حبيب الشقييْـ
ـن ويا مشعل الهوى والشبابِ
أيها الشاطئ المسرُّ إلى المو
جِ حديثَ العشاق والأحبابِ
أيها الكوخ والعيون السكارى
بخمور لم تمتزج بعذابِ
لا تجسي قلبي فلم يبق فيه
من بناء الماضي سوى أخشابِ
•••
وانصرفنا وقبل أنْ أتوارى
عن جمال الشاطي وعن ساكنيهِ
قلت للمرأة التي آلمتني
حين قالت الله ما يشقيهِ؟!:
«لي قلب أفرغتِه فاتركيه
في الهوى فارغًا ولا تملئيه!»
١٩٢٩