الصلاة الحمراء
رباه عفوَك إني كافر جانِ
جوَّعت نفسي وأشبعتُ الهوى الفانِي
تبعتُ في الناس أهواءً محرمةً
وقلت للناس قولًا عنه تنهانِي
ولم أفقْ من جنون القلب في سبلي
إلَّا وقد محتِ الأهواء إيمانِي
رباه عفوك إني كافر جان
•••
لَكَمْ دعتني إلى الفحشاء أميال
وأنذرتني تجاريب وأهوالُ
إنَّ التجاريب للألباب موعظة
لكنها لأُولِي الإضلال إضلالُ
تلك الليالي المواضي لا يزال لها
بين الخرائب في عينيَّ أطلالُ
واحسرتاه! وقلبي لا يزال له
في لذة العار أوطار وآمالُ
•••
لما استفاقت عيوني
في ذلتي وهوانِي
عزمتُ أنْ أتعرى
من شهوتي فثنانِي
وقال لي: «الحكم حكمي
والأمر طوع بنانِي
لا تستطيع التغنِّي
في الحب عن سلطانِي
والحب لا يتغذَّى
إنْ لم يكن شهوانِي!»
فلم أجد لي مفيضًا
يومًا من الإذعانِ
فصرت أغذوه عارًا
والنفس في تيهانِ
وصار يسكر روحي
بنغمتي خفقانِ
بنغمة من لهيب
ونغمة من دخَانِ
حتى ظننت نعيمي
في ذلك البركانِ
رباه عفوك إني كافر جانِ
•••
وطَّأت لي كنف الدنيا فقلت قفي
يا نفس في منهل اللذات وارتشفِي
ومالَ مذهب طبعي عن سجيته
حتى تقلَّب في بطل وفي صلفِ
وغاب عنيَ أني عشبة نبتت
على جوانب إبريق من الخزفِ
على جوانب إبريق إذا نظرت
عينٌ إلى عتقه انحطت على تلفِ
•••
فخارة ذات نَتْنٍ
قديمة كالزمانِ
مرت قرون عليها
فحال لون الدهانِ
ومهد النتنُ فيها
مسارب الديدانِ
فخارة دنستها
خواطر الإنسانِ
تخاصمت جانبيها
مظالمُ الأديانِ
كأنما الدين فيها
ضرب من الويل ثانِ
كم مرة أوعدتْها
ثوائر الغليانِ
وكم تفجر فيها
بالأمس من بركانِ
تبقى قرونًا طوالًا
وتمَّحي في ثوانِ
خزَّافها ذو حنان
حينًا وذو سلطانِ
ينهى ويأمر بالصَّا
عقات والنيرانِ
دِيدانها مسكرات
بخمرة التيجانِ
والتاج، لو هي تدري
معنًى من البهتانِ
رباه عفوك إني كافر جانِ
•••
فخارة جبلت بالدمع والطين
من عهد قايين أو من قبل قايينِ
نيرون أضرم فيها جمر مقلته
تلك البراكين من أجفان نيرونِ
تبادرتْها من الديدان طائفة
أبطال حرب من الغلب المجانينِ
ما كان إسكندرْ فيها سوى شبح
يحجِّب الشمس عن عينَي ديوجينِ
•••
ما كان جنكيز إلا
شرارةً في الكيانِ
تضرمت وتوارت
بين الرماد الفانيِ
رب المغول إله النْـ
ـنِيران والعصيانِ
ثارت عليه كما ثا
ر سنَّةُ النيرانِ
والنار تمحق إلَّا التْـ
ـتَذكار في الأذهانِ
أبقت لفارس ذكرى
كسرى أنوشروانِ
وقوَّضت ما بناه
من شاهقات المبانِي
لم تُبق إلَّا بقايا
خورنق النعمانِ
تلك البقايا عظات الزْ
زَمان للإنسانِ
تلك البقايا رموز
لسخريات الأمانِي!
أين الذي شيدتْه
جلائل الرومانِ؟
حُلم من المجد أبقى
أسطورة في اللسانِ
شرعُ المقدَّر ألَّا
يبقى سوى الخسرانِ
أما الكمال فحلم
في هجعة النقصانِ
يُرقى إليه رويدًا
على متون الزمانِ
على الإرادة والتضـ
ـحيات والعرفانِ
حتى إذا حك كان الـ
ـكلام للطوفانِ
وكان للنار رأي
وللدمار يدانِ!
أمُّ الزلازل طوَّا
فة بكل مكانِ
آثارها باقيات
وقفًا على الأجفانِ
والناس، واحسرتاه!
اثنان مختلفانِ
أعمى له مقلتان
في العقل مبصرتانِ
ومبصر أظلمته
عينان لا تريانِ
•••
تُرى مشيئتك العليا تناديني
بثورة النار في تلك البراكينِ؟!
رباه هل ينتهي حلمي ببارقة
من اللهيب ويخبو الطين في الطينِ؟!
وهل أُرَى زاحفًا في الليل ملتهبًا
بجمرة السخط في أيدي الشياطينِ؟!
أدعوك والظلمة الحمراء تحرقني
فلا تجيب وتلوي لا تنجِّينِي؟!
أعرضت عنك غداة القلب ضللني
كأن شهوةَ قلبي عنك تغنينِي
وحين أوقظت من سكر الهوى خجلًا
بحثت عنك وكاد العار يخفينِي
فلم تمل قلبك الرحمن عن ألمي
وقلتَ: «تطلبني بين المساكينِ؟»
•••
لكنني عدت بعد التْـ
ـتَكفير عن تيهانِي
إلى ذنوب جسام
كثيرة الألوانِ
ملوَّثاتٍ بدمع
مخضبات بقانِ
وقلت للقلب: «أطلق
في الموبقات عنانِي
طيفُ الإله بعيدٌ
وعينه لا ترانِي»
وقيل يوم عصيب
ينقضُّ قبل الأوانِ
تنفِّذ النار فيه
والحكم للديَّانِ
فرحت أسأل نفسي الدْ
دِفاع عن كفرانِي
فلم أجد من يحامي
عني سوى بهتانِي
رباه عفوك إني كافر جانِ
٢١ نوار ١٩٢٨