الدينونة
حول خيالك عني
ولا تخيِّم عليَّا
فليس أهلك مني
ولا اللظى من يديا
لم أغشَ في النفس مأثمْ
ولم أنادم رجالكْ
إبليس، ليست جهنمْ
داري فحوِّل خيالكْ
•••
قيثارتي لم ألطِّخها بأقذار
على طوافي بها في بؤرة العارِ
عذراء تتهم العُرَّى بكارتها
في كل خمارة أصغت لأوتارِي
وكل قاذورة ترقى بعورتها
إلى لسانٍ ذريف الخبث سيَّارِ
تنكر الخفر الممسوخ في دمها
بزخرف عاقر في منطق عارِ
أوتار قيثارها الموبوء فاجعة
كأنها حية لاذت بقيثارِ
أفعى أصيبت بحمى المجد فانقلبت
من كهفها مزقًا سكرى على الغارِ
إبليس، خذ هذه العُرَّى فإن بها
ما في جحيمك من زفت ومن نارِ
خذها إليك وعقمها فلا حبلت
أنثى من الإنس بالكبريت والقارِ
•••
كم شاعر خبثت فيه عرائسه
فراح يملي بأنياب وأظفارِ!
من المواخير أوحَيْنَ الجمال له
معرَّف الشهوة السفلى بأزهارِ
وجئنه بأكاليلٍ مفجَّعة
نمت سمومًا على حافَات أوجارِ
تاج من الدرك الأدنى يطوف به
على الخفافيش في أشلاء أطمارِ
تسير في ركبه الأقزام حاشيةٌ
قامت لتأييده في ملكه الهارِي
تهتَّكتْ سخريَّات الخلود به
فصاح تلك على الأجيال آثارِي
لا يضمر الحبَّ إلَّا في محاجره
فعينُه للهوى والقلبُ للثارِ
إبليس، خذه وعقمه فلا نشأت
من صلبه أسرة شوهاء في دارِ
•••
كم عاشق راغ من عذراء طاهرة
عُلَّت من الملأ الأعلى بأنوارِ!
باكورة الحب أبقى في مراشفها
ثديُ السماء رَضَاع الفاطر البارِي
حتى إذا أدنأت فيه وفاجرها
وقام يطرحها عن جسمه الضارِي
أهوت على يأسها واليأس ينخزها:
إما الضريح وإما العار فاختاريِ
وكم وليٍّ رعى شعبًا فأهلكه
ترغي على زهده أرياق عشارِ
وحاكمٍ سفلت فيه وداعته
فأظهرت حَمَلًا في قلب جزارِ!
إبليس، خذهم جميعًا في براقعهم
وارفع جناحك عن أبكار أوتارِي
خذهم إليك فلا عادت سلالتهم
وعقم النار يا إبليس بالنارِ
•••
حول خيالك عني
ولا تخيم عليا
فليس أهلك مني
ولا اللظى من يديا
لم أغش في النفس مأثمْ
ولم أنادم رجالكْ
إبليسُ، ليست جهنمْ
داري فحول خيالكْ
•••
وما سرى في مقاصير اللظى خبرُ
حار اللهيب به واستسألت سقرُ
إنَّ الورى أطلقوا ريحًا إلى سقر
تقود للنار قومًا دانه البشرُ
حتى أطلت من الأشباح طائفة
في هودج يتنزى تحته الشررُ
بُلْه العيون ضخام كلما وغلوا
في مسرب من دياميس اللظى صغرُوا
تجرهم بومة حمراء في يدها
فأس على جانبيها صور الدعَرُ
فثار ثائر أهل النار كلهمُ
وجيَّشت زمر في إثرها زمرُ
تدفقت من سراديب الجحيم إلى
إيوان إبليس حيث الجن قد سكرُوا
وكان في موكب الأشباح ذو بطر
يفحُّ في شفتيه حيةٌ ذكرُ
عليه قيثارة ثكلى مخلعة
وصولجانٌ من الأحلام منكسرُ
يلقي على غرف النيران أخيلةً
من ثوبه الأحمر القاني فتستعرُ
فما أصاخ إلى الأنغام يعزفها
رهط من الجن حتى مسه خدرُ
وصاحَ: «ما هذه الرؤيا؟ وأين أنا؟»
فقال إبليس: «مهلًا هذه سقرُ
حملت قيثارةً في الأرض كاذبةً
من الحقيقة لم ينبض بها وترُ
وريشة من جناح البوم ما رسمت
إلَّا خفافيش بالديباج تستترُ
فأنت لي وجحيمي لي أوزِّعه
على الأُلى أَنشدوا شعرًا وما شعرُوا»
وكان في موكب الأشباح ذو صلف
في كفه سلع في عينه قذرُ
يجر ذيل قوانينٍ مشوهةٍ
من الفضيلة لم يعلق بها أثرُ
فقال إبليس: «أطرق، إنَّ من سفلت
يداه في الأرض لا يعلو له بصرُ
فأنت لي وجحيمي لي أوزعه
على الألى أقسموا للشعب وابتهرُوا»
وكان في موكب الأشباح ذو خطل
يرغي ويزبد لا يبقي ولا يذرُ
في مقلتيه براكينٌ مرمَّدة
وفي الجبين خيال الله يندحرُ
فقال إبليس: «أقصر لم تكن غضبًا
في منطق الرسُل الآيات والسورُ
فأنت لي وجحيمي لي أوزعه
على الألى ما جزوا إلا ليثَّئرُوا»
•••
وكانت الخمر ترغي في مقاصفها
والجن تعزف والنيران تنفجرُ
إذا بصوتٍ من الأرض التي صفحت
يقول للنار: «أهل الأرض قد غفرُوا»
١٩٣٣