الشهوة الحمراء
أطفئْ ضياكَ وأظلمْ مثل إظلامي
وخلِّني في كوابيسي وأحلامِي
فربَّ نيرة — يا ليل — توقظني
إلى العفاف فأنسى عبء آثامِي
أُحسُّ في جسدي شوقًا يعذبني
ففي دمي سورة كالخمر في جامِي
لم يبق في حفنتي نار لغير هوًى
يُودِي بجسمي كما أودى بأجسامِ
حبي النقيُّ كإيماني القديم مضى
وهْمٌ هذيت به من بعض أوهامِي!
•••
أترى الغصن مذ يمر عليه
عاصف الريح كيف تذوي زهورُهْ
هكذا القلب حين تلبسه الآ
ثام يقسو وقد يجف شعورهْ
•••
يا حسرة الليل كم توحين من حلم
ميْتٍ لقلب بغيٍّ أخت آلامِ
أو قلب أرملة جارَ الزمان على
عفافها فأماتت قلبها الظامِي
مهما يكن سبب استسلامها أهَوًى
في النفس أم كان إنقاذًا لأيتامِ
فلتقض شهوتها حتى يهدِّمها
ما كان في صدرها من عهرها الدامِي
وتنجز الشهوةُ الحمراء دورتها
فيمَّحي رحمٌ من بين أرحامِ!
•••
أميرةَ الشهوة الحمراء، إنَّ دمي
من نسلك الهادم المهدوم فاحترمِي
خُلِقتِ تحترفين الموت فاقتربي
مني فإني احترفت الموت من قدمِ
حملتُ منجله في العهر منتقمًا
من النساء فهاتيه لتنتقمِي!
هاتي من العهر أشكالًا ملونةً
نمْهرْ بها بعضنا بعضًا وننهدمِ
لقد تعبتُ من الأحلام في جسد
ملَّ العفافَ بألوان من الألمِ
•••
«ولْنعاطِ الهوى لعل عصيرًا
من ثمار الشفاه والأكبادِ
أو لعل الآثام تشرب منا
ما تبقَّى من طهر ماء العمادِ»
•••
إنا اتحدنا ليوم واحد وغدًا
يأتي فيخلفني قوم بحبهمِ
سيعشقونك يومًا يغنمون به
ما غادرتْ منك ساعاتي لليلهمِ
وسوف تنسين — يا أخت الدما — فَمَهُمْ
كما نسيت — على رغم الدماء — فمِي!
عشرون قلبًا شربتِ الحب من دمها
وما شبعت ولم يشبعْك شرب دمِي
إذن فسوف تظل النفس جائعةً
حتى يجف دم في غلفها النهمِ؟
•••
سترجعين ولكن مثل آمالي
جوفاء مشلولةً في جسمك البالِي
سترجعين مدماةً مشوهةً
أدنى إلى الموت مني رغم أثقالِي
سترجعين كطيف مر في حُلُمي
ليلًا فذكَّرني في الحلم أهوالي
سترجعين ولا أقصيك عن جسدي
حتى تحل الليالي الحمر أوصالِي
حتى يحل وباء الخلد في كبدي
ويعلق العار من بعدي بأذيالِي!
•••
غير أني — ولي يراع مدمَّى —
سوف ينقى ذكري وتنقى دمائِي
ستقول الأجيال كان شقيًّا
فليُقَدَّسْ في جملة الأشقياءِ
•••
ويرفع الحب لي في كل زاوية
من القلوب ضريحًا خالدًا عالِي
أما الشباب ففي أقصى سلالته
لن ينتسي كيف كانت في الهوى حالِي
سينظر الغد في أمسي ويغفره
لأن قلبي — كنفسي — غير محتالِ
وكلما ذكر اسمي مر في فمه
ذكْر التي صقلت للموت أغلالِي
ذكْر التي اختصرت عمري بشهوتها
وخلدت عهرها الدامي لأجيالِ
•••
أجلْ ستذكرك الأعقاب والحقب
ما دام في الأرض من صلب الزنى عقبُ!
لا مثلما ذكر الإفرنج «لورهمُ»
ولا كما ذكرت «عفراءها» العربُ
بل مثلما ذكرت روما قبائحها
في مقلتيْ «مسلينا» وهْي تضطربُ
هذا هو الليل فاسقي السم هاتفة
لعل في الناس قومًا بعدُ ما شربُوا
وسرِّحي يدك الصفراء فوق هوًى
يسيل في محجريه الجهد والتعبُ
•••
ولتكن هذه الإشارة رمزًا
لاصفرار على الملذات مرَّا
لوِّنيها بالاصفرار إلى أنْ
يختم الموتُ نزعها المستمرَّا
أطفئ ضياك فإن النور يُذكرني
أمسي وتقلق روحي هذه الشهبُ
قد يوقظ النور أعيادًا مقدسةً
تشع من خلل الماضي وتلتهبُ
أطفئه يا ليل واغمرني بحالكة
من الظلام فأنسى حين أحتجبُ
أشقى بلذتيَ الحمراء في جسدي
وأمَّحي، لا هوًى يبقى ولا وصبُ
خرَّبْت قلبي وأطعمت الوحوش دمي
في كل مخلب وحش منهما خربُ
١٩٢٩