الفصل الخامس
حبيبي
قد قامت الحواجز بيننا، وتصدت لنا الليالي، فهدَّمت آمالنا التي بَنَيْناها وحكم الهوى بأن أهواك، ثم يحال بيني وبينك.
فنسبت ذلك ريتا لأمور دنيئة تدلُّ على سوء نيَّتها، وقد كنت أحدِّد النظر إلى عيني أمي، لعلي أقرأ فيهما سبب جَوْرها، ولكن عينيها كانتا أكتم من ضميري، فازدادت همومي وأحزاني.
وفي ليلة وصولي أصابتني حُمَّى شديدة، وغُشِي عليَّ، وكانت حالتي صعبة تُنْذِر بالخطر، ولما صحوت رأيت أمي إلى جانبي، تضمني إلى صدرها، وعيناها مغرورقتان بالدموع، وفي اليوم التالي نظرت إليَّ شذرًا، وقالت: أرى أنك تحبين مكسيم حبًّا شديدًا، فقلت: نعم، وأبقى على حبِّه إلى أنْ أموت، فتأثَّرت لكلامي وقبَّلتني.
وما زلت أرى يا حبيبي أنَّ روحًا خبيثًا يتداخل في شئوننا، وينثر ما ننظم، ويهدم ما نبني، ولكني أنتظر بثبات مسالمة الليالي وعودة صفو الأيام، وأنتظر بشجاعة لا مَثِيل لها أنْ يجمعنا الله، إمَّا على وجه الأرض، وإمَّا في السماء.
كتبت إليك خِفْية مخافة أنْ تعلم أمي، فتشدِّد عليَّ النكير، وأرى من الصواب أنْ تكتب لها، وتُطْلِعها على نواياك، وتستعطف قلبها علَّه يلين، وإذا شئت أن تكتب إليَّ، فلْيكُن العنوان باسم السيدة م. ر. وإني متأكدة أنك حزنت لفراقي أكثر مني.
وبعد ذلك بأيام وجيزة جاءني كتاب من عمي، يأمرني فيه بالاستعفاء من خدمة فركنباك، فرأيت فكره غير حسن، وقلت ربما ينقلب البارون عدوًّا لنا، فيكون حاجزًا آخر دون نيل الحبيبة، ولكنني دفعت كتاب عمي إليه، فقرأه وكأني به قد كاد الغيظ يقتله، فاحمرَّ خجلًا، ثم ضرب بيده على الطاولة ضربةً قوية فانكسرت، ووقع الحبر على الأوراق فطمسها، وقال لا، لا أسمح لك بذلك أبدًا، انتظر أيضًا فما بعد الصبر إلا الفرج، إنني أكاد أذوب خجلًا من عمك، ولا أعلم بماذا أجيبه فواخجلتاه، قال هذا بذلة وعبارات مملوءة بالرقة والحزن، فلما رأيت حزنه وشدة تأثُّره، وقعتُ عليه وطلبت عفوه.