قطع من كتاب الأدب الكبير
في السلامة
في الحث على الجد
في أدب الاستماع
مثل هذه الجمل في كلام ابن المقفع كثير جدًّا تجدونه في الأدب الكبير، والأدب الصغير، وكليلة ودمنة، ورسائله الخاصة التي كان يرسلها إلى إخوانه.
عود إلى المفاضلة بين عبد الحميد وابن المقفع
وليس هذا يطعن في كفاية ابن المقفع ولا مقدرته الخاصة، فقد كان يكتب في أول عهد النثر الفني بالوجود، فليس غريبًا ألا يستقيم له النثر كما كان يستقيم لرجل كعبد الحميد.
وليس ابن المقفع بدعًا في هذا، فكتَّاب اليونان كانوا على مثل ما كان عليه ابن المقفع من ضعف في التعبير؛ لأنهم لم يتعودوا أداء هذه المعاني من قبل، فليس على ابن المقفع حرج في أن تضطرب لغته وتستعصي عليه، وإنما الحرج على الذين يريدون أن يتخذوا ابن المقفع مثلًا وآية للبلاغة دون إمعان أو روية.
وأنا أنصح لطلاب الأدب أن يحتاطوا عندما يريدون أن يتخذوا ابن المقفع نموذجًا للتعبير والبلاغة.
النثر في آخر القرن الثاني
بعد هذا نلاحظ أن النثر في آخر القرن الثاني قد تطور، فازدادت المعاني التي يتناولها بكثرة ما تناوله من الفنون والخواطر التي أثارها الكتاب والفلاسفة، وتقدم العلوم العربية نفسها، فتطورت لغة هذه الفنون وصارت أقرب إلى السهولة.
ولم يكد يأتي القرن الثالث للهجرة حتى كان النثر قد استقام وأصبح ذلولًا مطيعًا لأصحابه يؤدون به المعاني المختلفة، ولم يكد ينتهي هذا القرن حتى كان العرب قد استوعبوا كل هذه العلوم في النثر، وبدأت فكرة تدوين القواعد التي تضبط هذا النثر، فإذا شئتم فسأحدثكم عن ذلك في المحاضرة الآتية.