كيفية النوم وتنظيمه: نظرة عامة
باستطاعتنا فهمُ الكثير من الأمور حول ما يحدث لكلٍّ من الدماغ والجسد خلال النوم، حتى ولو لم نكن على يقين من الوظيفة الفعلية للنوم (انظر الفصل الرابع). وفي حين أنه يمكن تعريف النوم على أساس من التغيرات السلوكية، فإن القدرة على قياس أنماط النشاط الكهربائي للدماغ هي التي قدَّمتْ تعريف النوم عند البشر وغيرهم من الثدييات.
(١) التخطيط الكهربائي للدماغ
(٢) رؤية الأحلام
يمكن رؤية الأحلام في كلٍّ من نوم حركة العين غير السريعة ونوم حركة العين السريعة، إلا أن أحلام نوم حركة العين السريعة تَمِيل إلى أن تكون أكثر طولًا، وأكثر وضوحًا، ومركَّبة وغريبة. ومن المعتقد أن الأحلام تستغرق في مدتها معظم فترة نوم حركة العين السريعة وربما تشكل نحو ٤٠٪ من نوم حركة العين غير السريعة وتحدث في الوقت الحقيقي؛ فلم تَعُدِ الفكرة القديمة عن أن الأحلام تحدث بصورة خاطفة حين نستيقظ من النوم تحظَى بقدْر كبير من التأييد الآن. قدَّم جيه ألان هوبسون بحثًا مُفصَّلًا عن الأحلام ورؤيتها في كتابه «الأحلام: مقدمة قصيرة جدًّا». وتتلخص الفكرة بإيجاز في أن مضمون الحلم متغير للغاية إلا أنه غالبًا ما يتضمن صاحب الحلم وأشخاصًا مألوفين بالنسبة إليه. والأحلام، في أغلب الأحيان، عبارة عن تجارب مرئية، ونادرًا ما تتضمن أيَّ مذاق أو رائحة. أما إذا كان الأشخاص مصابين بالعَمَى منذ ولادتهم؛ فإن أحلامهم يُهيمِن عليها الصوت، وحاسة اللمس والمشاعر العاطفية. وبالنسبة إلى هؤلاء الذين فَقَدوا البصر في طفولتهم (في عمر ٧-٨ سنوات)، فإن التجارب المرئية هي التي تُهيمِن على أحلامهم. وفي كثير من الأحيان تَكُون الأحلام غريبة للغاية، لكنها — في الأساس — عادةً ما تنبع من التجارب التي نمُرُّ بها. وتُفيد إحدى النظريات القائمة أن الحُلم هو ناتج ثانوي لمعالجة المعلومات وتقوية الذاكرة.
المربع رقم ١: سمة غريبة لنوم حركة العين السريعة
ينتاب الذكور خلال نوم حركة العين السريعة حالات انتصاب ليلية، وتشهد الإناث حالة من تَحَفُّل البظر. وقد قامتْ دراسة هذه الحالات في معظمها على الذكور؛ نظرًا لاستمرار حالات الانتصاب لديهم معظم مرحلة نوم حركة العين السريعة عند نومهم خلال الليل أو النهار. وقد رُصدت حالات انتصاب خلال مرحلة نوم حركة العين السريعة لدى الرُّضَّع وحتى لدى الأشخاص الموضوعين تحت أجهزة الإنعاش. وهناك بعض الآراء التي تُفيد بأنه حتى رسومات الكهوف في لاسكو بجنوب فرنسا تصوِّر ذكورًا يمرُّون بحالات انتصاب واضحة أثناء النوم. هذا، ولا يغير الجِماع قبلَ النوم من مستوى انتفاخ القضيب في مرحلة ما بعد النوم. ويؤثر الاحتساء المفرط للكحول، الذي يُثبِّط انتصاب القضيب حين يكون الشخص مستيقظًا، تأثيرًا طفيفًا على قوته أثناء النوم. ولقد ثبت كذلك أن بعض الثدييات الأخرى مثل الفئران والكلاب تمر بحالات انتصاب للقضيب أثناء نوم حركة العين السريعة. وعلى الرغم من أن نوم حركة العين السريعة مرتبط بأكثر أحلامنا وضوحًا، فإن الدراسات التجريبية تُشير إلى أنه لا توجد أي علاقة بين المضمون الجنسي للحلم وانتصاب القضيب.
(٣) نموذج تنظيم النوم والاستيقاظ الثنائي العملية
وتعمل كلٌّ من العملية إس وسي — في ظل الظروف الطبيعية — بشكل دوري مُعاكِس بعضهما لبعض للحفاظ على الشعور باليقظة خلال النهار ونوبات من النوم العميق ليلًا. فيقابل الزيادة المطردة في إشارة الساعة البيولوجية المنبهة للفرد خلال معظم أوقات النهار زيادة مماثلة في ضغط النوم الاستتبابي مع استمرار ساعات اليقظة أو السهر. وعلى العكس من ذلك، تواجه النزعة المتزايدة للنوم ليلًا انخفاضًا في دافع الاتزان الداخلي الاستتبابي الذي يحدث أثناء النوم. فمن دون نزعة الإيقاع اليومي للنوم، سوف تَقِلُّ فترة النوم خلال الليل؛ حيث إن ضغط النوم سيتبدد سريعًا خلال النصف الأول من النوم. ولم يُعرَف بعدُ السببُ الرئيسي لكَوْن بعض الأشخاص ينامون لفترات طويلة وآخرين لفترات قصيرة، لكن من المرجَّح أن يرجع هذا إلى كيفية استجابة الدماغ لارتفاع ضغط النوم.
(٤) أسوأ ما في العالَمَين: الاستيقاظ لفترة طويلة في التوقيت الخاطئ
(٥) قصور النوم: مشكلة النهوض في الصباح
(٦) أسباب الشعور بالنعاس بعدَ تناوُل الغَدَاء وليس قبلَ الخلود إلى النوم
وينتاب المرءَ كذلك الشعورُ ﺑ «خمول ما بعد الغَدَاء» بسبب عدم التزامن الطفيف في توقيت حدوث كلٍّ من العملية إس والعملية سي، ويحدث هذا الخمول بغضِّ النظر عما إذا كان الطعام قد استهلكه الجسم تمامًا أم لا. يتزامن هذا «الخمول» أو التراجع في الأداء وحالة الانتباه مع حدوث التقاطع المعتاد بين زيادة الشعور بالنعاس نتيجة لحدوث العملية إس، وانخفاض الشعور بالنعاس نتيجة لحدوث العملية سي. فإذا لم يكن ثمة تزامن طفيف بين كلٍّ من زمنَيِ العمليتين، فسوف تعزز العملية إس في هذه الحالة الشعور بالنعاس قبل معارضتها من العملية سي، ويؤدي هذا بدوره إلى الشعور بالخمول في منتصف فترة الظهيرة. لا يشعر الجميع بهذا الخمول، وسبب هذا على الأرجح يعود إلى الاختلافات الفردية البسيطة في التوقيت النسبي لكلتا العمليتين. ومع ذلك، قد تفسِّر زيادةُ اختلاف التوقيت بين العمليتين عادةَ القيلولة في بعض المجتمعات، حيث تؤدي فترات النوم القصيرة والمتأخرة ليلًا إلى قدْر أعلى من ضغط النوم خلال النهار الذي لا يمكن مجابهتُه من قِبَل نظام الإيقاع اليومي أثناء النعاس، الذي تأخر نفسُه بسبب التعرض للضوء الاصطناعي في المساء؛ مما يسهل مِن أخْذ إغفاءة طويلة أثناء فترة ما بعد الظهيرة. أضِف إلى ذلك تناولَ وجبة غَدَاء دسمة وبعض المشروبات، حينئذٍ ستقِلُّ فُرَص بقائك مستيقظًا!
(٧) هل تشبه طائر القُبَّرة أم البومة؟ شخصيات نهارية وأخرى ليلية
إذا كنتَ ممَّن يبقَوْن متيقظين خلال النهار وتخلد إلى النوم مبكرًا، فأنتَ أشبَهُ بطائر «القُبَّرة»، أما إذا كنتَ تكرَه النهار وتفضِّل البقاء مستيقظًا أثناء الليل، إذن فأنتَ أشبَه ﺑ «البومة». استُخْدِمَت تلك التشبيهات لمحاولة وصف ظاهرة التفضيل اليومي — أي إذا ما كنتَ من الشخصيات النهارية أم الليلية — وذلك بناءً على الأوقات التي تفضِّل فيها الخلود إلى النوم والأوقات التي تؤدي فيها عملك على أكمل وجه. وبينما تظن أن هذا الأمر اختيار شخصي، فإن أسلوب التفضيل اليومي يحدده النموذج ثنائي العملية، وهو مشفَّر في جيناتك على نحو جزئي.
تخيل تجربة يتم فيها وضْع مجموعة من الأشخاص في نفس فترات الضوء والظلام (١٦ ساعة من الضوء: ٨ ساعات من الظلام) لعدة أسابيع، وستجد أن بعض الأشخاص سيخلدون إلى النوم ويستيقظون مبكرًا؛ وبعضهم سيخلد إلى النوم في وقت متأخر ويستلقي؛ بعضهم سينام لمدة ٧ ساعات فقط، والبعض الآخر ﻟ ٩ ساعات وهكذا. سيجد كل شخص التوقيت الطبيعي الخاص به خلال اليوم وسيتعرفون على ما يفضلونه خلال اليوم، والتوقيت الطبيعي للنوم ومدته. عبر مجموعة من السكان، سنجد اختلافًا في التفضيل اليومي وكذلك فترات النوم؛ نتيجة للاختلافات الفردية في تفاعل كلٍّ من نظام الإيقاع اليومي والنظام الاستتبابي لدى كل فرد. فتتسم الشخصيات النهارية، على سبيل المثال، التي تَمِيل إلى الخلود إلى النوم والاستيقاظ مبكرًا بأن لديها: (١) ساعة بيولوجية يومية أقصر (تقترب — أو حتى أقل — من ٢٤ ساعة)، وتدور بشكل أسرع من الساعة البيولوجية للشخصيات الليلية. (٢) نزعة طبيعية كبرى للخلود إلى النوم مبكرًا؛ نتيجة للارتفاع السريع لضغط النوم أو للحساسية تجاه ضغط النوم الاستتبابي. (٣) نزعة طبيعية أقوى للاستيقاظ مبكرًا نتيجة للفقدان التدريجي الأسرع لضغط النوم الاستتبابي، أو مزيج بين كلٍّ من هذه العناصر.
تختلف الشخصيات النهارية والليلية أيضًا في توقيت الشعور بالنعاس والقدرة على الأداء أثناء النهار، الأمر الذي يحدده التفاعل بين كلٍّ من العملية سي والعملية إس أو «الربط النسبي بين العمليتين»؛ أي «ضبط التوقيت»، بين فترة حلول النوم واليوم وفقًا لنظام الإيقاع اليومي. وتستيقظ الشخصيات النهارية في وقت مبكر من اليوم وفقًا لآلية التنبيه لديهم؛ حيث إن نومهم متقدِّم كثيرًا على الشخصيات الليلية. وعلى الرغم من أن إيقاع نومهم يسبق الآخرين، فإنه مع ذلك، لا يميل إلى الانتقال بنفس قدْر النظام الداخلي لإيقاعهم اليومي؛ مما يعني أن الشخصيات النهارية تنام وتستيقظ في مرحلة متأخرة نسبيًّا من إيقاعهم اليومي عن الشخصيات الليلية؛ ومن ثَمَّ تستيقظ الشخصيات النهارية متأخرة في «يومها» داخل نظام الإيقاع اليومي؛ أي إنهم يتمتعون بمستوًى مرتفع من اليقظة والأداء أثناء النهار وينخفض هذا المستوى سريعًا خلال اليوم. على الصعيد الآخر، تستيقظ الشخصيات الليلية في وقت مبكر من «يومهم» داخل نظام الإيقاع اليومي؛ ومن ثَمَّ يشعرون بالنعاس ويتسم أداؤهم بالضعف في الصباح، لكنَّ أداءهم لا يتراجع بقدْر تراجُع أداء الشخصيات النهارية مع نهاية اليوم. ولذلك يُمكِن تفسير الاختلافات السلوكية التي تمَّ رصدُها بين الشخصيات النهارية والليلية — والمتمثلة في أن الشخصيات النهارية تشعر بقدر أكبر من اليقظة والانتباه أثناء النهار ويفضلون تنفيذ المهامِّ شديدة الأهمية في ذلك الوقت من اليوم، بينما تتمتع الشخصيات الليلية بشعور أفضل وبمستوًى أفضل من الأداء في وقت متأخر من النهار — وفقًا لمرحلة نظام الإيقاع اليومي التي يستيقظون فيها. ومِن اللافت للنظر أن تلك الاختلافات لا تتغير بالرغم من كافة العوامل التي يمكن أن تؤثر على أنماط اليقظة خلال وقت النهار في الحياة اليومية، مثل احتساء المشروبات التي تحتوي على الكافيين، والانخراط في العمل، والشعور بالتوتر والضغوط وما إلى ذلك؛ مما يوضح الدور الجوهري والعلاقة بين كلٍّ من العملية سي والعملية إس في تحديد أنماط اليقظة، والحالة المزاجية والأداء خلال النهار.
(٨) الضوء وعلاقته بالإيقاع اليومي وهرمون الميلاتونين، والنوم، والاستيقاظ
يلعب الضوء دورًا مهمًّا في تنظيم النوم والاستيقاظ، فالتعرض للضوء يؤثر بشكل مباشر على كلٍّ من توقيت الإيقاع اليومي (العملية سي) من جهة والنعاس والأداء (العملية إس) من جهة أخرى. كما أن للضوء عددًا من الآثار «غير البصرية» على العمليات الفسيولوجية بجسم الإنسان بخلاف تأثيره على الرؤية، ومن بينها تعديل نظام الإيقاع اليومي، وتحسين المقاييس الذاتية والموضوعية لليقظة، وزيادة معدل ضربات القلب ودرجة حرارة الجسم ليلًا، والتأثير على بعض الهرمونات، مثل خفض إفراز هرمون الميلاتونين من الغدة الصنوبرية.
(٨-١) الضوء والنوم
وللضوء أيضًا تأثير مباشر على العملية إس؛ حيث يؤدي التعرض للضوء إلى تعزيز اليقظة والأداء إلى حدٍّ كبير خلال كلٍّ من النهار والليل، كما يؤثر على عمق النوم ليلًا التالي لذلك. وقد أظهر تصويرُ الدماغ بعدَ التعرض للضوء زيادة النشاط في العديد من مناطق الدماغ المرتبطة باليقظة، والإدراك، والذاكرة (المهاد، والحصين، وجذع الدماغ) والحالة المزاجية (اللوزة)؛ ومن ثَمَّ يمكن أن يؤدي التعرض للضوء في التوقيت غير المناسب إلى الإخلال بتوقيت النوم والساعة البيولوجية، ليس هذا فحسب بل وإفساد مستويات اليقظة والأداء والحالة المزاجية أيضًا.
(٨-٢) الإيقاع والاكتئاب
تطور فهمُنا للكيفية التي ينظِّم بها الضوء كلًّا من النوم والإيقاع اليومي تطورًا ثوريًّا على مدى السنوات القليلة الماضية مع اكتشاف نظام جديد تمامًا لاستقبال الضوء في عيون الثدييات، بما في ذلك البشر. ولا تقع مستقبلات الضوء المكتشفة حديثًا تلك في ذلك الجزء من العين الذي يحتوي على الخلايا العصوية (المسئولة عن الرؤية الليلية) والخلايا المخروطية (المسئولة عن الرؤية النهارية) التي تستخدم في تكوين صور للعالَم من حولنا، ولكنها تقع في الخلايا العقدية التي تشكل إسقاطاتها العصب البصري. وتوفر الخلايا العقدية للشبكية اتصالًا وظيفيًّا بين العين والدماغ، ولكن عددًا قليلًا من الخلايا العقدية المتخصصة (١–٣٪) لدَيْها حساسية مباشرة للضوء وتسقط صورها على أجزاء من الدماغ لها علاقة بالنوم والتحكم بالإيقاع اليومي، بما في ذلك النَّوى فوق التصالبية ومنطقة أخرى تحت المهاد تسمى منطقة أمام التصالُبية البصرية البطنية الوحشيَّة (انظر الفصل الثالث).
هذه الخلايا الشبكية العقدية الحساسة للضوء تحتوي على صبغة حساسة للضوء تسمى ميلانوبسين. لاحظ أنه ينبغي عدم الخلط بين صبغة الميلانوبسين وهرمون الميلاتونين الذي تفرزه الغدة الصنوبرية، أو صبغة الميلانين في جلد الإنسان؛ فهي مختلفة تماما! صبغة الميلانوبسين هي الأكثر حساسية «للضوء الأزرق» المرئي قصير الموجة مع ذروة الحساسية للضوء بطول موجي حوالي ٤٨٠ نانومترًا. بمقدور هذا النظام تغيير الساعة البيولوجية اليومية أو تنظيم النوم حتى لدى الحيوانات أو البشر الذين فَقَدوا الخلايا العصوية والمخروطية المسئولة عن الرؤية الليلية والنهارية أو الذين أصيبوا بالعمى التام، وما دامت طبقة الخلايا العقدية للعين سليمة، فمن الممكن أن يحدث الترابط. تثير هذه الحقيقة آثارًا هامة بالنسبة إلى أطباء العيون، الذين يَجهَلون إلى حدٍّ كبير هذا النظام البصري الجديد وأثره على الفسيولوجيا البشرية. على سبيل المثال، إذا كان نظام الخلايا الشبكية العقدية الحساسة للضوء لا يزال سليمًا، فمن الضروري تشجيع الأفراد (حيثما أمكن) على تعريض أعينهم لضوء النهار بما يكفي للحفاظ على الربط الطبيعي بالإيقاع اليومي وتوقيت النوم واليقظة. أمَّا المرضى المكفوفون الذين من المقرر أن تُجرَى لهم عملية استئصال لعيونهم دونما سبب ضروري فينبغي تقييم حالتهم لتحديد إن كانت أعيُنُهم لا تزال قادرة على اكتشاف الضوء ومزامنة نظام الساعة البيولوجية؛ إذ إنه من شأن فقدان كلتا العينين أن يؤدي إلى الإصابة باضطرابات النوم غير المنتظم على مدار الأربع والعشرين ساعة. وعلاوة على ذلك، فإن المرضى المصابين بأمراض شبكية العين الداخلية، التي تؤدي إلى موت الخلايا الشبكية العقدية، مثل المياه الزرقاء، معرضون بشدة لخطر اختلال الساعة البيولوجية واضطرابات النوم. يجب أن يتلقَّى هؤلاء الأفرادُ المشورةَ بخصوص مشاكل اضطرابات النوم، ويُنصح لهم بشدة تلقِّي العلاج بهرمون الميلاتونين في الوقت المناسب، هذا الذي أثبتَ قدرتَه على تثبيت توقيت النوم لدى المرضى المصابين بالعمى التام (انظر الفصل السادس).
إن خلايا الشبكية العقدية الحساسة التي تلتقط الضوء الأزرق لا يقتصر عملها فقط على ضبط توقيت الساعة البيولوجية، بل تلعب أيضًا دورًا رئيسيًّا في تثبيط إفراز الميلاتونين، والحدِّ من النعاس، وتحسين زمن رد الفعل، وتنشيط مناطق الدماغ التي تتوسط بين اليقظة والنوم. وتستخدم آثار الضوء تلك على نطاق واسع في تطبيقات إكلينيكية ومهنية عديدة لعلاج اضطرابات النوم والإرهاق المصاحبين لاضطرابات إيقاع الساعة البيولوجية، والاكتئاب والخَرَف، والسرطان، أو في أي مجال تُفيد فيه إجراءات الحدِّ من النعاس، مثل المدارس والجامعات والشركات، والمهن التي تتطلب اليقظة التامة على مدار الساعة مثل التمريض والشرطة ورجال الإطفاء، والمهن الحساسة المتعلقة بسلامة الآخرين، مثل الطيارين والجيش ومراكز التحكم ومحطات الطاقة، وما شابَهَ (انظر الفصل التاسع). وقد تبين أيضًا أن العلاج بالضوء الأزرق أثبت فعاليته في علاج الاضطراب العاطفي الموسمي (ما يعرف ﺑ «اكتئاب الشتاء»)، الناجم عن التغيرات الموسمية في التعرض للضوء والظلام.
كما أن توقيت التعرض للضوء له أهمية خاصة أيضًا. فبمقدور الضوء إما تقديم الساعة البيولوجية، مغيرًا السلوك وعملية الأيض بحيث يتم في وقت مبكر، وإما تأخير الساعة البيولوجية حسب توقيت التعرض للضوء. وفي الظروف الطبيعية، يؤدي التعرض للضوء في وقت الغسق والجزء الأول من الليل (ما بين الساعة السادسة مساءً والساعة السادسة صباحًا) إلى تأخير الساعة البيولوجية، في حين يؤدي التعرض للضوء في وقت متأخر من الليل وقرب الفجر (ما بين الساعة السادسة صباحًا والساعة السادسة مساءً) إلى تقديم الساعة. وتوصف العلاقة بين توقيت المحفِّز وحجم التغير الناتج واتجاهه في صورة منحنى استجابة الطَّور، وهو أمرٌ في غاية الأهمية عند النظر في آثار تغير التعرض للضوء والظلام الذي يشهده المرء خلال اضطراب الرحلات الجوية الطويلة أو أثناء العمل بنظام النوبات (انظر الفصل التاسع). ورغم أن الإيقاع اليومي واليقظة ليسا في حساسية النظام البصري، فإنهما لا يزالان قابلين للتأثر بمستويات الضوء المنخفضة نسبيًّا، إذا دام التعرض لذلك الضوء أكثر من عدة ساعات. وفي ظل هذه الظروف، يؤدي الضوء الخافت نسبيًّا داخل المنزل مثل مصابيح السرير وضوء شاشة الكمبيوتر إلى إحداث آثار كبيرة على أنظمة الساعة البيولوجية والنوم، وقد يؤدي إلى تفاقم اضطرابات النوم (انظر الفصل السادس).
(٨-٣) هرمون «دراكولا»: الميلاتونين والنوم
تعتبر خلايا الشبكية العقدية الحساسة للضوء مسئولة عن تنبيه الجسم عند رؤية الضوء، ولكن كيف يَعرِف الجسم بحلول الظلام؟ يُعطي هرمون «دراكولا» أو الميلاتونين هذه الإشارة إذ لا يتم إفراز هذا الهرمون إلا في الليل، فيما يتوقف إفرازه مع رؤية الضوء. فالميلاتونين الذي تفرزه الغدة الصنوبرية هو المكون الكيميائي الحيوي الرئيسي المرتبط بالظلام ويعدُّ تمثيلًا داخليًّا لطول الليل في البيئة. ومع تغير طول الليل مع تغير المواسم عند خطوط العرض غير الاستوائية، فإن الميلاتونين لا يكتفي فقط بكونه رمزًا لطول الليل يوميًّا، بل هو أيضًا علامة على الوقت في السنة (أي المواسم).
يتكون الميلاتونين من التربتوفان، وهو حمض أميني غذائي، يتحول عبر عدة خطوات إلى سيروتونين ثم إلى ميلاتونين. ويتم إفراز الهرمون بشكل رئيسي من الغدة الصنوبرية، رغم أن شبكية العين ومناطق أخرى في الجسم يمكن أن تفرز كميات ضئيلة يعتقد أنها تساعد في ضبط الوقت المحلي. وتصل مستويات الهرمون إلى الذروة في بلازما الدم واللعاب في حوالي الساعة الثانية صباحًا في الظروف الطبيعية، مع وصول معدلات أيض الهرمون ونزوله في البول إلى ذروتها حوالي الساعة الرابعة والنصف صباحًا. وتفرز خلايا الغدة الصنوبرية الميلاتونين «عند الطلب» من الساعة البيولوجية، فهو لا يخزن ويُفرز من الغدة الصنوبرية تحت السيطرة المباشرة للنَّوى فوق التصالبية. وعلى غير العادة ينطلق المسار من النَّوى فوق التصالبية مارًّا بالحبل الشوكي (عبر العقدة الرقبية العلوية) قبلَ أن يعود إلى الغدة الصنوبرية؛ وهو ما يعني أن المصابين بالشلل الرباعي مع تضرر العمود الفقري عند العقدة الرقبية العلوية لا يُفرَز لديهم الميلاتونين (رغم أن بعض نظم الإيقاع اليومي الأخرى لا تتطلب هذا المسار، مثل إفراز الكورتيزول، وتنظيم درجة حرارة الجسم، وإيقاع النوم واليقظة؛ تظل هذه الأمور طبيعية نسبيًّا).
كما أن تعريض العين على نحو حصري للضوء ليلًا يؤدي إلى وقف إفراز الميلاتونين تمامًا ويقدم تقييمًا غيرَ مباشر لمدخلات الضوء إلى النَّوى فوق التصالبية عبر مسار يمر بالعين والنوى فوق التصالبية والغدة الصنوبرية. فهناك مستقبلات ميلاتونين على الخلايا العصبية بالنوى فوق التصالبية، ويعتقد أن الميلاتونين يوفر تغذية راجعة للساعة البيولوجية لضمان حدوث تزامن سليم للإيقاعات الداخلية. ونظرًا للعلاقة الزمانية الوثيقة بين النَّوى فوق التصالبية وإفراز الميلاتونين، فغالبًا ما يتم استخدام إيقاع الميلاتونين ﮐ «محدد طوري» للساعة البيولوجية في الدراسات الإنسانية.
بَيْدَ أن الدور المباشر للميلاتونين في النوم أقل وضوحًا. ففي حين أن إفراز الميلاتونين يتزامن مع النوم لدى الكائنات النهارية مثل البشر، فإن إفراز الميلاتونين في الكائنات الليلية مثل الجرذان والفئران البيضاء أيضًا يَحدُث في الليل، خلال فترة نشاطها، والعديد من سلالات الفئران لا تُفرِز أيَّ ميلاتونين على الإطلاق؛ مما يشير إلى أن الميلاتونين قد لا يكون له أيُّ تأثير على النوم. ومما لا شك فيه أن إيقاع الميل إلى النوم لدى البشر يرتبط ارتباطًا وثيقًا بنَظْم الميلاتونين؛ إذ إن فتح «بوابة النوم» يتم بالتزامن مع بداية إفراز الميلاتونين. ومع ذلك فقد يكون ثمة تزامن بين هذه الأحداث بكل بساطة، حيث إن مَن لا يُفرِزون الميلاتونين — مثل المصابين بالشلل الرعاش، وكثيرٍ ممَّن يستعملون مثبطات بيتا، ومرضى استئصال الغدة الصنوبرية — تستمر لديهم إيقاعات الساعة البيولوجية في النوم واليقظة، ولا يُبدُون سوى تغييرات طفيفة في بنية النوم؛ ومن ثم فإن نظام الساعة البيولوجية، وليس الميلاتونين نفسه، هو ما يفتح الأبواب للنوم ويعطي الضوء الأخضر لإفراز الميلاتونين في الوقت نفسه.
ثمة علاقة أخرى بين الميلاتونين والنوم تتمثل في حقيقة أنه عند تثبيط إفراز الميلاتونين بسبب التعرض للضوء في الليل، فإن مستويات اليقظة تتحسن أيضًا بالتوازي. ومع ذلك فإن التعرض للضوء في النهار يؤدي أيضًا إلى تحسين اليقظة، في الوقت الذي لا يفرز فيه الميلاتونين؛ مما يشير إلى أحد الأمرين، وهما: إمَّا أن الميلاتونين ليس الوسيط المباشر لليقظة، أو أن ثمة عمليات منفصلة تتم خلال الليل والنهار لتعزيز اليقظة بالضوء. كما أن استعمال الميلاتونين الاصطناعي يتسبب أيضًا في تحفيز حالة من النعاس الخفيف، ولا سيما في حالة تعطل إفراز الميلاتونين الطبيعي؛ الأمر الذي يجعل الميلاتونين — عندما يقترن بقدرته على تغيير توقيت الساعة البيولوجية — مفيدًا في علاج اضطرابات النوم المرتبطة باضطراب نَظْم الساعة البيولوجية، مثل العمل بنظام النوبات، واضطراب الرحلات الجوية الطويلة، وعدم انتظام الإيقاع اليومي لدى المكفوفين، واضطرابات تقديم وتأخير موعد النوم إذا استُخدم في التوقيت المناسب (انظر الفصل السادس).
(٩) ماذا يحدث عند الحرمان من النوم؟
يتطلب فهم الدور الذي يلعبه النوم وإيقاعات الساعة البيولوجية اليومية في كيفية عمل وظائف الأعضاء والتمثيل الغذائي إجراء تجارب معملية مُراقبة بعناية. وتعد مقارنة ما يحدث للأفراد حين تُتاح لهم فرصة الخلود إلى النوم مقابل ما يحدث حين يُرغَمون على السهر طوال الليل أسلوبًا بسيطًا لدراسة التأثير المباشر للنوم. وقد أثبتت هذه الدراسات المتعلقة بالحرمان من النوم تأثر الكثير من الهرمونات والببتيدات بنظام الساعة البيولوجية، والنوم، أو بالاثنين معًا. تظل معدلات إفراز ميلاتونين من الغدة الصنوبرية ثابتة في حالة النوم أو عدمه، على الرغم من أنه يثبط بشدة إذا لم تكن الأضواء خافتة للغاية. وكذلك لا يتغير معدل هرمون الكورتيزول، الذي تفرزه الغدد الكظرية، في حالة النوم أو الاستيقاظ، حيث يرتفع معدله أثناء الليل إلى أن يصل أقصاه في الوقت الذي يسبق استيقاظنا مباشرة (حتى في حالة عدم النوم)، على الرغم من أن الاستيقاظ من النوم يتسبب في ارتفاع إضافي طفيف في هذا الهرمون. وعلى العكس من ذلك، هناك بعض الهرمونات، منها على سبيل المثال هرمون النمو، تعتمد على النوم بشكل كبير ولا تتأثر بقوة بنظام الساعة البيولوجية. يتم إفراز هرمون النمو بصورة رئيسية أثناء النوم البطيء الموجات، ويكون في أقل معدلاته في حالات الحرمان من النوم. أما هرمون الغدة الدرقية فيتميز بفترة ذروة قصيرة قبل الخلود إلى النوم مباشرةً، ويحدث هذا في ظل ظروف طبيعية، ويتأثر تأثرًا طفيفًا بالساعة البيولوجية. ومع ذلك، فعند قياس معدلاته في حالة الحرمان من النوم، يتم رصد تأثير قوي لإيقاع الساعة البيولوجية على هرمون الغدة الدرقية، الذي يبلغ ذروته خلال الليل وهي الفترة التي عادةً ما يثبطه فيها النوم خلال الليل. وهكذا، سيؤدي الحرمان من النوم إلى انخفاض معدلات هرمون النمو وارتفاع معدلات هرمون الغدة الدرقية.
(١٠) ألا تنال قسطًا كافيًا من النوم؟
لقد بدأنا لتوِّنا في استيعاب ما يحدث حال عدم حصولك على قسطٍ كافٍ من النوم كل ليلة وحال معاناتك من نقص النوم المزمن. ركزت معظم الدراسات التي أُجريت حتى الآن على تأثير اضطرابات النوم على معدلات اليقظة والأداء، إلا أن البيانات الحديثة تؤكد على أن ثمة تأثيرات أيضًا على التمثيل الغذائي وصحة الإنسان (انظر الفصل السابع). ففي ظل الظروف النموذجية، يتبدد ضغط النوم المتراكم خلال فترة اليقظة أثناء النوم لدرجة أن حالة التنبه واليقظة تصل لأقصى معدلاتها عند الفرد تقريبًا عند الاستيقاظ. وتشير الكثير من الأدلة إلى أن عدد ساعات نوم الشباب تصل إلى حوالي ٨٫٥ ساعات كل ليلة إذا ما أُتيحت لهم الفرصة الكافية، ويصل عدد ساعات نوم مَن هم أكبر سنًّا إلى ٧٫٥ ساعات، وهو معدَّل أعلى بكثير من المعدلات الفعلية التي يحصل عليها معظم الأشخاص خلال نومهم. ويؤدي تعذر الحصول على قدْر كافٍ من النوم إلى المعاناة من نقص النوم المزمن، أو بمفهوم آخر تراكم في «دَين النوم»؛ فكما هو الحال في الكثير من العقود النقدية، التي تتضمن قوانين صارمة تختص بمواعيد تسديد الدَّيْن، فدَين النوم كذلك لا يمكن تأجيله لأجَلٍ غير مسمًّى دون فرض عقوبات قاسية، وفي هذه الحالة تُفرض هذه العقوبات على الصحة. وبخلاف معظم العقود النقدية، يجب أن يُسد العجز في النوم يومًا بيوم، فينتهي بنا الحال وقد وجدنا أن النوم الزائد في عطلة نهاية الأسبوع غير كافٍ لتعويض أسبوع كامل من النوم السيِّئ المضطرب. من المؤسف أنه لا يمكن تخزين قسط من النوم على سبيل الرصيد، على الرغم من أن الحصول على قسط إضافي استباقي من النوم قبل فترة مُتوقَّعة من الحرمان من شأنه أن يكون مفيدًا. ببساطة، تُعدُّ ودائع النوم المنتظمة بصفة يومية ضرورية للحفاظ على توازن صحي في مصرف النوم.
سرعان ما تصبح الآثار الضارة الناتجة عن نقص النوم المزمن بنفس حدة الحرمان الشديد منه. فبعد مرور أسبوعين تقريبًا من النوم لفترة تقل عن ٦ ساعات كل ليلة، تنخفض معدلات الأداء لدى الشخص لتصل إلى نفس معدلات شخص يُعاني من حرمان حادٍّ من النوم لمدة ٢٤ ساعة؛ إذ يمكن أن يؤدي قضاء ٤ ساعات فقط في الفراش كل ليلة لمدة ٧ أيام إلى الوصول إلى نفس ذلك المعدل في الأداء، وبعد أسبوعين، يصبح معدل الأداء مساويًا لأداء شخص ظل من دون نوم لفترة يومين أو ثلاثة أيام متواصلة. ومما يُثير القلق، أن تقدير الأشخاص لمدى شعورهم بالنعاس لا يتغير بنفس المعدل؛ مما يشير إلى عدم إمكانية الحكم بدقة على مدى الضعف الذي ينتابنا عند الحرمان من النوم، كما هو الحال حين نظن أننا سنتمكن من القيادة ببراعة بعد الإفراط في الشراب. وإذا ما تم الجمع بين كلٍّ من الحرمان الحادِّ والمزمن من النوم، كأن يكون مثلًا بسبب الإخفاق في الحصول على التعويض الكافي للنوم بعد الاستيقاظ طوال الليل في مرات متكررة، فإن الآثار الضارة على معدل الأداء تتضاعف لتصل إلى ١٠ أضعافها. حتى الآن لم يحدد بعد عدد الليالي التي يجب فيها النوم لفترات طويلة لتعويض هذا التدهور، على الرغم من أن النوم بشكل متكرر في عطلة نهاية الأسبوع غالبًا ما يكون غير كافٍ. فكما هو الحال مع ارتياد الصالات الرياضية أو اتباع نظام غذائي، يتطلب الأمر بذل مجهود يومي لنَيل قسطٍ كافٍ من النوم وتفادي تأثير الحرمان الحاد والمزمن من النوم على الصحة والسلامة.
المربع رقم ٢: الحرمان من النوم والتعذيب
برز الحرمان المتعمَّد من النوم، أو ما يُعرَف ﺑ «إدارة النوم» على الساحة عبر استخدامه كأسلوب متقدم للاستجواب. إن الحرمان من النوم لفترة تصل إلى ١٨٠ ساعة — ما يُوازي سبعة أيام ونصف اليوم — لا يزال حتى وقتِ وضْع هذا الكتاب يُعدُّ أمرًا مسموحًا به في الحكومة الأمريكية، وإنْ كان فيما سبق إجراءً غير قانوني. ويتم تحقيق ذلك بشكل عام عن طريق إصدار ضوضاء عالية واستخدام أغلال للإبقاء على وضْع غير مريح إطلاقًا من شأنه أن يجعل الخلود إلى النوم أمرًا شبهَ مستحيل. وتنص لوائح الولايات المتحدة الأمريكية، على أن الشخص المعاقَب لا يُسمَح له بالنوم إلَّا لمدة ٨ ساعات فقط بعد سبعة أيام ونصف من الحرمان من النوم، وذلك قبل أن تُفرَض عليه نفس فترة الحرمان من النوم ثانيةً. ولنتخيل فرض مثل هذه القيود على الطعام أو الماء! ويستخدم مثل هذا الحرمان من النوم للتأثير على الحالة النفسية، مع أن الآثار العديدة للحرمان من النوم على التمثيل الغذائي والجهاز المناعي من شأنها أن تكون مدمرة أيضًا. ويتسبب الحرمان من النوم في الكثير من الآثار العصبية الحيوية التي تتضمن تدهور زمن رد الفعل، والذاكرة والقدرات المعرفية. فهو يؤدي سريعًا إلى إصابة الأفراد بحالة من «هلوسة ما قبل النوم»، وتغيرات في الإدراك تؤدي إلى رؤية أحلام أو صور أخرى؛ نتيجة لتوغل أنماط نوم حركة العين السريعة داخل الدماغ في حالة اليقظة، وفي الحالات الأكثر خطورة، تتدهور قدرة الفرد على المعالَجة الشعورية؛ مما ينتهي به إلى الإصابة بالذهان.
وحيث إن الحرمان من النوم يخفض عتبات الألم ويَزِيد من الشعور بالجوع، فيُعتقَد أيضًا أنه يُعزِّز أساليب أخرى للاستجواب، مثل التلاعُب بالنظام الغذائي. وعلى الرغم من ضرورة توفر الإشراف الطبي على هذا النوع من الاستجوابات، فإن الأطباء يتلقَّوْن القليل من التدريب أو لا يتدربون مطلقًا في مجال طب النوم ولا يملكون أي خبرة في تحديد عواقب الحرمان الحاد أو المزمن من النوم، سواء أكانت تلك العواقب قصيرة أم طويلة المدى. غالبًا ما يقلل المجتمع من شأن الحرمان من النوم؛ ومن ثم فإن آثاره الكاملة بوصفه أسلوبًا للاستجواب لا تَحظَى بالتقييم الكافي. ومن المهم ألَّا ننسى أيضًا أن النوم يعدُّ سلوكًا حيويًّا للبقاء على قيد الحياة شأنه في ذلك شأن التغذية. تكفل اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، التي تم توقيعها عام ١٩٧٥، «الحماية لكافة الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية أو المهينة». ومن الجليِّ أن الحرمان المطوَّل من النوم يُخالِف هذه الشروط.