النوم والمجتمع
يلعب المجتمع دورًا كبيرًا في تحديد مواقفنا تجاه النوم، وهو الأمر الذي يؤثر بدوره على مقدار ما نحصل عليه من نوم. وللنوم كذلك تأثير كبير على المجتمع، حيث إنه يؤثر على عملية التعلم والنمو في مرحلة الطفولة، ويؤثر كذلك على سلامة بيئة العمل وكفاءة الأداء فيها، وهو الذي يحرك صناعات تتكلف مليارات الجنيهات تهدف إلى مساعدتنا على الحصول على نوم أفضل أو التعامل مع عدم كفاية النوم. كما يتكبد الاقتصاد كل عام مليارات الجنيهات بسبب الشعور بالنعاس واضطرابات النوم من خلال حصول الموظفين على إجازات إضافية، وإهدارهم وقتًا كثيرًا، وعدم إتقانهم لعملهم، وتعرضهم لحوادث، ومع ذلك لا تزال النظرة البطولية المرتبطة بقصر ساعات النوم وطول ساعات العمل هي السائدة. فيُثنِي المجتمع على الأشخاص الذين لديهم دافعية كبيرة للعمل الذين يُنجِزون مع حصولهم على قليل من النوم، بينما ينظر إلى هؤلاء الذين يجعلون النوم على قائمة أولوياتهم على أنهم ضعفاء ويفتقرون إلى «مقومات التفوق». بل وقد تتطلب بعض المهن العمل لفترات طويلة جدًّا؛ مما يحرم الموظف من الحصول على النوم الكافي. لكن تلك المواقف أصبحت قديمة الآن وتأتي بنتائج عكسية تمامًا في النهاية، على الصعيدين الشخصي والمهني، حيث يؤدي الفشل في الحصول على قسط كافٍ من النوم إلى عواقب وخيمة تنعكس على السلامة المهنية، والإنتاجية والصحة.
(١) النوم والقيادة
يتسبب النعاس أثناء القيادة في وقوع ضحايا ما بين قَتْلى ومصابين بإصابات خطيرة على الطرق سنويًّا في بريطانيا، يُقدَّر عددهم بضِعْف ضحايا القيادة مع تعاطي المخدرات، ونحو ثلث ضحايا القيادة في حالة سكْر. كما أن النعاس هو السبب فيما يقرب من خُمْس الحوادث التي تحدث على الطرق الرئيسية، وذلك وفقًا للإحصائيات الحكومية. ومع ذلك فمن المرجح أن تكون تلك النسب أقل مما يحدث في الواقع الفعلي؛ لأنه يصعب اكتشاف الحوادث الناجمة عن النعاس أثناء القيادة وكثيرًا ما تصنف تصنيفًا خاطئًا. فعلى سبيل المثال، في الحوادث الناجمة عن تعاطي الكحوليات أو المخدرات، نجد أن النعاس عامل رئيسي أيضًا فيها، كما أن الحوادث الناتجة عن البطء في رد الفعل، وضعف القدرة على اتخاذ القرار السليم وعدم القدرة على الرؤية بوضوح، والرعونة، والتشتت الذهني، وغيرها من التصنيفات الأخرى للحوادث يزيد احتمال وقوعها عندما يغلب النعاس على الشخص. بَيْدَ أن المجتمع لا يُدرِك الحجم الحقيقي للمشكلة؛ ففي المملكة المتحدة، مثلًا، يرى السائقون لافتات «التعب يمكن أن يكلفك حياتك» على الطرق السريعة، ويتم توجيههم نحو كيفية الاستخدام الفعال للإغفاءات والمشروبات المحتوية على الكافيين في حالة الشعور بالتعب الشديد. ورغم فائدة هذه الإجراءات، فإن الاكتفاء بالتوعية قد لا يكون كافيًا، لا سيما أن هناك ٥٠٠ شخص على الأقل، أو ربما ما يصل إلى ٣٥٠٠ شخص، يَلقَوْن حتْفَهم أو يُصابون بجروح خطيرة دون داعٍ بسبب نعاس السائقين على الطرق في بريطانيا كل عام، علاوة على مئات الآلاف في جميع أنحاء العالم.
تعد الحوادث الناجمة عن النعاس أثناء القيادة هي الأكثر مَدْعاة للقلق بالنسبة إلى الشباب، الذين يتعرضون لعدد كبير منها. ويرتفع معدل الحوادث إلى أقصى حدٍّ ليلًا لدى جميع السائقين عندما يصل الإيقاع اليومي في النعاس إلى أعلى مستوياته، ولكن الشباب أكثر عرضة للحرمان من النوم وأقل قدرة على تحمل قلة النوم مقارنةً بالسائقين الأكبر سنًّا، وذلك في الاختبارات المعملية على الأقل. وقد دفعت هذه التوليفة القاتلة العديد من الولايات الأمريكية لمنع السائقين الجدد من القيادة بمفردهم في الأوقات المتأخرة من الليل (على سبيل المثال، من بعد منتصف الليل بنصف ساعة وحتى الخامسة صباحًا)؛ وذلك لمواجهة خطر النوم على عجلة القيادة، وكذلك للتخفيف من أثر قلة خبرتهم وسلوكهم المندفع وتعاطيهم للمخدرات والكحوليات.
فلماذا إذن لا يأخذ المجتمع مسألة النعاس أثناء قيادة السيارة بمزيد من الجدية؟ لا شك أننا ندرك المشكلة، نظرًا لمجموعة السلوكيات التي يستعين بها الناس حتى يظلوا مستيقظين، مثل مضغ اللبان، أو تعريض أنفسهم للهواء النقي، أو تشغيل الموسيقى الصاخبة، أو التحدث إلى أحد الأشخاص على الهاتف، أو غيرها من الحلول الأكثر تطرفًا مثل ارتداء سوار من دبابيس الرسم. عادةً ما يدرك الناس أنهم كثيرًا ما يغلب عليهم النعاس على نحو خطير ولكنهم يفضلون فعل أي شيء ما عدا مواجهة السبب الحقيقي؛ ألا وهو قلة النوم. وهناك أسباب معقدة في بعض الأحيان للاستيقاظ لفترة طويلة ثم القيادة، مثل الحاجة المالية للعمل لساعات طويلة أو العمل في وظائف متعددة، أو رعاية الأطفال أو الأقارب المسنين. ثمة عوامل أخرى، مثل الالتزامات العائلية، أو الهوايات، أو الحياة الاجتماعية، أو الانغماس في قراءة أحد الكتب، تؤدي لضيق الوقت المتاح للنوم وتضطر المرء إلى القيادة وهو يشعر بالنعاس. كثير من الناس يختارون أيضًا العمل لساعات متأخرة من الليل ثم الاستيقاظ مبكرًا في صباح اليوم التالي والقيادة ويتجاهلون مخاطر ذلك، علاوة على أن انخفاض احتمالات الإمساك بهم وهم في حالة النعاس هذه يعزز من هذا السلوك؛ فلا توجد أجهزة لقياس النعاس أو إمكانية لعمل اختبارات دم لاكتشافه على جوانب الطرق (على الرغم من بذل الكثير من الجهد لتوفير سبل لذلك). علاوة على ذلك، يصعب أيضًا اعتبار النعاس سببًا للحوادث وذلك لعدة أسباب؛ أولًا: أن قدرتنا على الحكم على مستوى تعرضنا للخطر تضعف بسبب النعاس؛ فكما هو الحال مع الدماغ وهو في حالة سكْر، فإن الدماغ وهو في حالة نعاس يعجز عن تقييم نفسه وغالبًا ما يستهين بمدى شعوره بالنعاس، حيث نتجاهل في الغالب علامات موضوعية لوجود مستويات غير آمنة من النعاس، مثل التثاؤب وطرفات العين البطيئة. ثانيًا: قد يحلُّ بنا النعاس الكارثي على الفور ودون سابق إنذار؛ ومن ثم لا يتمكن الفرد من تذكر استغراقه في النوم، أو حتى شعوره بالنعاس قبل وقوع الحادث، فالأمر لا يستغرق سوى بضع ثوانٍ من النعاس للانحراف عن الطريق. ولا يحتلُّ النعاس مرتبة متقدمة في قائمة الأسباب المحتملة لوقوع الحوادث، مع ارتفاع احتمالات تحديد سبب آخر مكانه يسهل الكشف عنه. هناك علامات تدل على الحوادث الناجمة عن النعاس أثناء القيادة — مثل الانحراف التدريجي عن الطريق دون استخدام المكابح، أو الحوادث التي تقع ليلًا للمركبات الفردية رغم توافر الظروف المناسبة — ولكن من الصعب إثبات النعاس كسبب لأي حادث دون الاطلاع على سجل نوم السائق خلال الأيام القليلة السابقة على الحادث. بَيْدَ أننا نترك وراءنا العديد من الشواهد على اليقظة وعدم النوم في العصر الإلكتروني، مثل سجل استخدام الهاتف والإنترنت، ونظام تحديد المواقع العالمي، وبطاقات الائتمان التي تستطيع كلها كشف حالة النوم والاستيقاظ لدينا، ولكن حتى مع هذه الأدوات يصعب إثبات تعرض السائق للنعاس مباشرة قبل وقوع الحادث.
إن الوعي بالمخاطر، وسبل الوقاية منها، هو مفتاح الحل في هذا المسألة. وقد يعني هذا أن الأشخاص البُدَناء، الذين تزداد مخاطر تعرضهم بشكل كبير لتوقف التنفس أثناء النوم، عليهم أن يحدوا من خطر تعرضهم للنعاس عن طريق الحصول على العلاج الملائم وفقدان الوزن حتى يسمح لهم بقيادة السيارات أو الشاحنات أو حافلات المدارس. كذلك، فإن الأمهات اللاتي يتنقلْنَ بأطفالهن في سيارات دفع رباعي للحفاظ على سلامة أطفالهن يجب عليهن ألا يَقُدْنَ إذا شعرن بالنعاس وإلا سيُخاطِرْنَ بقتل أطفال أمهات أخريات. والأطباء الذين لا نعتبرهم قادرين على العمل بكفاءة بعد ١٣ ساعة من العمل ينبغي أن يطلب منهم أيضًا عدم قيادة سياراتهم بعد كل هذا الجهد الذي قاموا به. هذه مسائل يصعب على المجتمع مواجهتها ولكن لها عواقب خطيرة تستدعي انتباهنا. فاستخدام وسائل النقل العام (شريطة أن ينال السائقون قسطًا كافيًا من النوم)، والعيش بالقرب من المدرسة والعمل، والاهتمام بالتخطيط المسبق للنوم في الجدول اليومي، وإعطاء النوم أولوية كبيرة، كل ذلك يجب أن يُعاد النظر فيه بنفس الطريقة التي نخطط بها مسبقًا بحيث لا نكون في حالة سكْر عندما نتوجه إلى العمل أو نوصِّل الأطفال إلى المدرسة.
(٢) النوم والكافيين
أحد أسباب إقدام أفراد المجتمع على العمل دون نَيْل قسط كافٍ من النوم هو أنهم يتداوون ذاتيًّا؛ فالكافيين منبِّه للجهاز العصبي المركزي ويثبط آثار الأدينوسين الذي يتراكم أثناء الاستيقاظ كناتج ثانوي لاستهلاك مخزوننا الداخلي من الطاقة (انظر الفصل الثالث). إنه سلعة ثمينة للغاية يبلغ حجم سوقها العالمي السنوي ٢٢ مليار دولار، ويعمل فيه ما يصل إلى ٧٥ مليون شخص. ويوجد الكافيين بشكل أساسي في الشاي والقهوة والمشروبات الغازية (من ٥٠ إلى ٨٠ ملِّيجرامًا لكل كوب أو علبة)، رغم وجوده أيضًا في الشوكولاتة، وفي أدوية أخرى لزيادة فاعليتها، أو في شكل حبوب تصرف دون وصفة طبية. وهو متوافر بنِسَب أعلى في مشروبات الطاقة (مع نسب من الكحول في بعض الأحيان)، ومشروبات البوتيك، لمواجهة وباء النعاس وعدم كفاية النوم المنتشر على مستوى المجتمع ككل. ويبلغ متوسط استهلاك الشخص البريطاني العادي من الكافيين يوميًّا حوالي ٣٠٠ ملِّيجرام؛ أي أكثر من جرامين في الأسبوع.
وتشمل الآثار الدوائية للكافيين تحسين الانتباه وتقليل الوقت المطلوب لاتخاذ رد الفعل المناسب، ولكنها تشمل أيضًا زيادة ضغط الدم ومعدل ضربات القلب، ورفع درجة حرارة الجسم. أما آثاره على النوم، حتى لو تم تناوله في الصباح، فتشمل تأخير النوم لفترات أطول، وتقليل مدة النوم، ومنع النوم العميق البطيء الموجات. وعند الحصول عليه بنِسَب كبيرة (يتمثل أقصى الجرعة في أكثر من ٣٠٠ ملِّيجرام أو من ٥٠٠ إلى ٦٠٠ ملِّيجرام يوميًّا)، يمكن أن يؤدي إلى زيادة العصبية والتشنج العضلي والصداع والقلق وخفقان القلب، ومع الاستهلاك المزمن للكافيين بكميات كبيرة، يمكن أيضًا أن يسبب القرحة ومرض الارتجاع المعدي المريئي ويؤدي إلى القلق واضطرابات النوم التي يسببها الكافيين. كما تقل الاستجابة التي يحصل عليها مستهلكو الكافيين مع تناوله بكميات كبيرة لفترات طويلة مما يجعلهم يتناولون جرعات أعلى للحصول على نفس الاستجابة؛ ومن ثَمَّ فإنه يُعد نوعًا من المواد الإدمانية. وعند التوقف عن تناوله تنتاب مُدمِنيه أعراضُ الانسحاب، بما في ذلك الصداع والغثيان والتعب، وسرعة الانفعال، والارتجاف، والأرق لمدة تصل إلى ٥ أيام. وللكافيين «عمر نصفي» طويل — حوالي ٥ ساعات، وقد يطول أكثر في ظل بعض الظروف — وهذا يعني أنه يستغرق حوالي ٥ ساعات ليَحدُث أيضٌ لنصف الكمية المتناولة منه. هذا يعني أنه إذا احتسى أحدهم كوبًا من القهوة أو المشروبات الغازية يحتوي على ١٠٠ ملِّيجرام من الكافيين في العاشرة صباحًا، فسوف يتبقى ٢٥ ملِّيجرامًا في الجسم حتى الثامنة مساءً، ونحو ١٢٫٥ ملِّيجرامًا حتى وقت النوم، وهو ما يتسبب في اضطراب النوم إلى حدٍّ كبير. في واقع الأمر، يستهلك الناس كميات أعلى من ذلك بكثير، ويتناولونها في وقت متأخر من اليوم، بل حتى بعد تناول العشاء؛ الأمر الذي يؤثر على جودة النوم وفترته (حتى لدى أولئك الذين يقسمون أن الكافيين لا يؤثر على نومهم). والحساسية لمادة الكافيين واضحة بسبب القدرة على احتمالها وجزئيًّا بسبب جيناتنا؛ ترتبط الاختلافات في جين مستقبلات الأدينوسين إيه ٢ إيه بالحساسية تجاه الكافيين ودرجة اضطراب النوم عند تناوله، وربما تساهم في ارتفاع معدلات الأرق.
في عالَم مثالي، سنتمكن جميعًا من الحصول على قسط كافٍ من النوم دون الحاجة إلى أي جرعة من الكافيين، ولكن إن كان لا بد من الحصول عليها من أجل سلامتنا، فإن الحكمة تقتضي تناول الكافيين «بجرعات قليلة وعلى مرات كثيرة» للحفاظ على اليقظة مع تناوله بالحد الأدنى، والتوقف تمامًا عن تناوله أطول فترة ممكنة قبل النوم. ويمكن تحقيق الفوائد التنبيهية للكافيين عند تناول جرعات قليلة نسبيًّا (٠٫٣ ملِّيجرام/كيلوجرام/ساعة؛ أي حوالي ٢٠ ملِّيجرامًا/ساعة لمن يبلغ وزنه ٧٠ كيلوجرامًا)، وهو ما يعادل كوبًا واحدًا من الشاي العادي، أو القهوة الخفيفة، أو أحد المشروبات الغازية كل ساعتين تقريبًا. فتناول كمية أكبر من الكافيين لا داعي له، واستهلاك كميات كبيرة منه في بداية النهار أو نوبة العمل غير مفيد حيث ستنخفض مستويات الكافيين مع زيادة النعاس خلال اليوم. كما أن التوقف عن تناول الكافيين على الأقل لمدة ٥ ساعات، ومن الأفضل أن يكون لمدة ١٠ ساعات، قبل محاولة النوم أمرٌ موصًى به أيضًا.
يعتبر أثر الكافيين أكثر قوة على الأطفال نظرًا لصغر حجم أجسامهم وقلة حصولهم عليه؛ لذا يجب أن يتجنبوا تناوله. بَيْدَ أن منْعَهم من تناول الكافيين أمرٌ صعبٌ؛ نظرًا لدخول الآباء في صراع محموم مع حملات إعلانية قوية ومغرية موجهة خِصِّيصَى للأطفال والشباب، تُسوِّق للمشروبات الغازية التي تحتوي على الكافيين، علاوة على أنواع الشاي المثلج، والشوكولاتة، وأفخر أنواع الشاي والقهوة المخصوصة، ومشروبات الطاقة التي تحسن من نوعية الحياة، الجذابة بشكل خاص للمراهقين والشباب. وفي حين تقوم المدارس بمحاولة الحد من دخول هذه المنتجات إليها في محاولة لتقليل كمية السكريات التي يحصل عليها طلابها، فلم يتم بعدُ تناول آثارها الضارة على النوم. فمن شأن الحد من مثل هذه المشروبات في المدارس وفي المنازل أو منعها في محاولة للحد من سمنة الأطفال أن يحقق فائدة إضافية تتمثل في تحسين نومهم، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى تقليل خطر تعرضهم للسمنة، ومعالجة كلتا المشكلتين الصحيتين علاجًا جذريًّا، وهذه طريقة مفيدة جدًّا يجب أن يقْدم المجتمع على تبنِّيها بشجاعة.
(٣) النوم والمدرسة
ليس من الغريب استعانة المراهقين والشباب بالكافيين عندما تتحالف عليهم كل الظروف حتى تجعلهم غير قادرين على الحصول على قدر كافٍ من النوم. وكما أوضحنا في الفصل الخامس، يتعرض المراهقون لتأخر في ساعاتهم البيولوجية مما يدفعهم إلى النوم والاستيقاظ في وقت متأخر عن الأطفال والبالغين الأصغر عمرًا؛ وهو الأمر الذي يُعرِّضهم لحرمان مزمن من النوم، تحديدًا في أيام الدراسة. تؤثر مواعيد الاستيقاظ المبكرة أيام الدراسة على المراهقين بشكلين مختلفين؛ أولًا: يمنعهم تأخر الساعة البيولوجية لديهم من الذهاب إلى النوم مبكرًا؛ ومن ثم يحرمهم من الحصول على عدد ساعات النوم التي يحتاجونها والمقدَّرة بثماني ساعات إلى تسعٍ. ثانيًا: إن تأخر ساعتهم البيولوجية يعني كذلك أن مطالبة المراهقين بالاستيقاظ من أجل الذهاب للمدرسة في السادسة أو السابعة صباحًا يُعادل مطالبة البالغين بالاستيقاظ في الثالثة أو الرابعة صباحًا. إن الاستيقاظ في تلك الساعة من اليوم يؤدي إلى الإصابة بحالة حادة من قصور النوم ويتزامن مع تراجع الساعة البيولوجية في المزاج والإدراك. يرتبط أيضًا النوم لفترة قصيرة بزيادة معدلات النعاس في الفصول، وانخفاض الدرجات الدراسية، وسوء الحالة المزاجية والسلوك، ويؤدي على الأرجح إلى زيادة فرط النشاط أو سرعة الانفعال أو العدوانية، وربما يؤدي أيضًا إلى زيادة معدلات إصابة الأطفال بالسمنة (انظر الفصل الخامس)، وربما يرتبط باضطرابات نفسية أكثر خطورة مثل الاكتئاب. وقد أظهرت إحدى الدراسات الحديثة أن الآباء الذين يسمحون لأبنائهم بالذهاب إلى الفراش في أوقات متأخرة من اليوم (في منتصف الليل أو بعد ذلك) يكونون أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والتفكير في الانتحار.
هناك حلٌّ بسيط لهذه المشكلة، على الرغم من صعوبة تنفيذه، يتمثل في تأخير مواعيد بدء الدراسة في المدارس، والمعاهد، والجامعات، بما يسمح للطلاب بالحصول على ساعات أطول من النوم والاستيقاظ في وقت يتناسب أكثر مع ساعتهم البيولوجية. لقد ثَبَتَ منذ أكثر من عَقْد من الزمن أن تأخير مواعيد بدء اليوم الدراسي يرتبط بحصول الطلاب على عدد ساعات أطول من النوم، وزيادة قدرتهم على التركيز، والانتباه، وحصولهم على درجات دراسية أعلى. إن مواعيد بدء الدراسة الحالية مُصمَّمة بحيث تُناسِب البالغين؛ ولذلك فهي تجعل الأطفال يقتطعون ساعات من نومهم كل يوم، وهو الأمر الذي يؤثر سلبًا دون شك على تحصيلهم الدراسي من خلال إضعاف انتباههم وذاكرتهم (انظر المربع رقم ٤). لقد أظهرتْ دراسات أُجريت في الولايات المتحدة أن تأخير مواعيد بداية اليوم الدراسي لمدة قليلة تتراوح بين نصف ساعة وساعة ونصف يمكن أن يزيد فترة نوم الطالب وجودة نومه، ويُحسِّن أداءه التعليمي، وحالته المزاجية، وانتباهه وصحته العامة، ويقلل من معدلات غيابه وتأخيره. وقد ثبت أيضًا أن تأخير تلك المواعيد لمدة ساعة واحدة يؤدي إلى انخفاض معدل وقوع حوادث السيارات بين الذين تتراوح أعمارهم بين السابعة عشرة والثامنة عشرة بنسبة ١٧٪. وعلى النقيض مما يتوقعه الكثيرون، لا يؤدي تأخر مواعيد بدء اليوم الدراسي إلى تأخر وقت الذهاب إلى الفراش؛ فوقت الذهاب إلى الفراش يظلُّ ثابتًا بينما يزيد وقت النوم، مما يعكس الأساس البيولوجي للمشكلة.
وعلى الرغم من أن تغيير موعد بدء اليوم الدراسي يبدو أمرًا معقَّدًا جدًّا، مع وجود عوامل يجب وضعها في الاعتبار مثل مستهدفات المناهج الدراسية، ومواعيد عمل الآباء، ووسائل النقل للمدرسة، وساعات التدريس، والبرامج الخارجة عن المناهج الدراسية، فإن كافة تلك العوامل يجب أن تكون عوامل ثانوية في مقابل أولوية حصول الأطفال على أفضل الفرص التعليمية الممكنة. ويمكن تحقيق تحسن فوري في التحصيل الدراسي للطلاب من خلال تلك الخطوة البسيطة التي لا تتطلب طُرُق تدريس أو نُظُم اختبار جديدة، أو تمويلات إضافية. إن السياسات الجيدة يجب أن تعتمد على شواهد جيدة، والإحصائيات تُظهِر أن الأطفال يقعون تحت ظلم شديد عندما تُفرَض عليهم مواعيد بدء اليوم الدراسي المخصصة للبالغين.
المربع رقم ٤: النوم والتعلم
نحن ندرك من خلال تجربتنا الشخصية أن عدم التسرع في اتخاذ قرار بشأن مشكلة ما وتأجيله لليوم التالي للتفكير فيه بِتَرَوٍّ غالبًا ما يساعدنا على حل تلك المشكلة. وقد بدأت الدراسات الحديثة في كشف السبب وراء ذلك. فإذا ما تم تعليم الخاضعين للبحث مهمةً تعليمية بسيطة، فإن النوم في الليلة التي تلي عملية التعلم يساعد على نحو ما على ترسيخ تلك المهارة في الذاكرة فتتحسن القدرة على ممارستها. وإن الفشل في النوم بعد تعلم المهارة من شأنه أن يمنع أي تحسن لاحق في الأداء، حتى بعد النوم بصورة طبيعية لعدة ليالٍ لاحقة. وكأن الدماغ عند عدم نوم الشخص بعد تعلم المهارة يفقد فرصة ترسيخ ما تعلمه بداخله. وقد أظهرت دراسات مماثلة أن تطوير «التبصر» أو مستوًى أعلى من التعلم يعتمد أيضًا على النوم، حيث تعتمد أنماط مختلفة من التعلم على مراحل النوم المختلفة. ويبدو أن استقرار وانتظام النوم كذلك من العوامل المهمة في الاحتفاظ بالمعلومات. ومن الواضح أن تلك النتائج لها آثار مهمة على تعليم الأطفال، وبخاصة إذا تم اقتطاع ساعات من نوم الأطفال في أيام الدراسة.
(٤) النوم والعمل
ويعد السماح بأخذ إغفاءات مجدولة أحد أهم الأساليب الفعالة لمواجهة الشعور بالنعاس أثناء العمل. فلقد تبيَّن أن إغفاءة «شحن طاقة» قصيرة مدتها من ١٠ إلى ٣٠ دقيقة قادرة على تحسين أداء الفرد وانتباهه خلال الساعتين أو الثلاث ساعات التي تلي الاستيقاظ منها. أما الإغفاءات الأكثر طولًا التي تمتد لثلاثين دقيقة أو أكثر، فإن لها تأثيرات أطول على الفرد إلا أنها قد تؤدي إلى حدوث حالة من قصور النوم عقب الاستيقاظ منها مباشرة؛ مما يمثل خطرًا جديدًا. ولكن يمكن التعامل مع هذا بتناول بعض الكافيين قبل الإغفاءة، وهو الذي يستغرق نحو عشرين دقيقة ليبدأ في عمله؛ ومن ثم يكون على استعداد لمواجهة الشعور بالنعاس عقب الاستيقاظ. (يمكن اتباع نفس الطريقة للتقليل من الشعور بالنعاس بصورة مؤقتة عند القيادة.) ويجب تفعيل هذا السماح بأخذ إغفاءات قصيرة خلال ساعات العمل واعتباره وسيلة لتحسين الأداء ومستوى السلامة بتكلفة قليلة للغاية أو دون تكلفة على الإطلاق، حيث إن زيادة الإنتاجية التالية على تلك الإغفاءات تفوق الوقت المستغرق فيها بكثير.
هل هناك أي دليل على أن وضع حدود لعدد ساعات العمل يحسن من النوم ومن الأداء في مكان العمل؟ من قبيل المفارقة أن الدليل الدامغ على مخاطر نقص النوم قد قدمتْه دراسات عن أطباء جدد تم إجراؤها بسبب المخاوف من تأثير عمل الأطباء لساعات طويلة على سلامة المرضى. في الولايات المتحدة الأمريكية، تركَّز ذلك الجهد بشكل كبير على فهم مخاطر مد ساعات العمل ليوم كامل أو أكثر، وضرورة تقليل ساعات العمل الأسبوعية لتكون حوالي ٨٠ ساعة في الأسبوع. وبالرغم من أن نوبات العمل الماراثونية هذه لا تزال شائعة في أوروبا، فإن توجيهات الاتحاد الأوروبي الخاصة بعدد ساعات العمل وغيره من التشريعات المماثلة الخاصة ببريطانيا والاتحاد الأوروبي تُلزم بألا تزيد ساعات العمل المتواصل عن ١٣ ساعة، وقللت تدريجيًّا من ساعات العمل الأسبوعية للأطباء الجدد من ٧٢ ساعة إلى ٤٨ ساعة، في المتوسط.
وبالرغم من اختلاف الموقف، فإن المكاسب الكبيرة المتحققة فيما يتعلق بسلامة المرضى ونوم الأطباء وزيادة انتباههم ظهرت في كلا المجالين بعد مراجعة ساعات العمل باستخدام المبادئ البيولوجية التي تنظم عملية النوم. في إحدى التجارب الإكلينيكية العشوائية الأمريكية، أدى تغيير نظام نوبات عمل الأطباء من نوبات عملٍ مدتها يومٌ بالكامل كل ثالث يوم من الأسبوع إلى أخرى مدتها ١٦ ساعة كل رابع يوم منه إلى زيادة عدد ساعات نوم الأطباء من ٦٫٦ إلى ٧٫٤ ساعة كل ليلة، وتقليل معدل ضعف الانتباه والتركيز ليلًا إلى النصف. والأكثر أهمية أن الأخطاء الطبية الخطيرة ازدادت بنسبة ٣٦٪ عندما كان الأطباء يعملون في نوبات عمل تمتد ليوم كامل مقارنة بعملهم في نوبات عمل تمتد ﻟ ١٦ ساعة فقط، بما في ذلك زيادة الأخطاء التشخيصية الخطيرة إلى حوالي ستة أضعاف وزيادة الأخطاء المتعلقة بالأدوية بنسبة ٢١٪. وفي دراسة بريطانية مماثلة، تم تقليص عدد ساعات عمل الأطباء من ٥٢ ساعة إلى ٤٣ في المتوسط في الأسبوع (وكحد أقصى من ٧٧ ساعة إلى ٦٠ ساعة كل أسبوع) وفي نوبات العمل المتواصلة تم تقليل الحد الأقصى لساعات العمل ليصل إلى ١٢ ساعة. وكذلك فقد تم تغيير نمط النوبات؛ حيث لم يعد مسموحًا بنوبات عمل ليلية متتابعة لأكثر من ليلتين إلى ثلاث ليالٍ، في مقابل سبع ليالٍ في النظام التقليدي، وكانت تلك التغيرات أكثر تدرجًا. وكانت النتيجة بعد تلك التغييرات زيادة مدة نوم الأطباء، خاصة بعد نوبات العمل المسائية والليلية، وانخفاض معدل الأخطاء الطبية ككل بنسبة ٣٣٪. وتظهر هذه الدراسات المكاسب الكبيرة فيما يتعلق بسلامة المريض، خاصة في فترات الليل، إذا ما تم تخطيط ساعات عمل الأطباء وفقًا للجوانب البيولوجية للنوم، كما أنها توضح أن مستويات التدريب والتحفيز العالية لا يمكنها أن تعوض عدم كفاية النوم.
لسوء الحظ، تسعى الكثير من المهن، ومن بينها مهنة الطب، إلى زيادة طول نوبات العمل. وبينما يأتي ذلك عادةً في صورة محاولة لإنجاز العمل بسرعة، أو ترك مزيد من الوقت للأسرة والاستمتاع بالحياة، فإن الواقع هو أن الهدف الحقيقي وراء ذلك يتمثل في تمكن المرء من العمل بوظيفة ثانية وكسب المزيد من الأموال؛ الأمر الذي يزيد من ساعات العمل الأسبوعية ومخاطر النعاس أثناء القيادة أو أثناء العمل. وعلى الرغم من توقع المجتمع الحصول على خدمات لا تنقطع طوال اليوم، فهناك طرق جيدة وأخرى سيئة لتحقيق ذلك، ويجب على الجميع إدراك العواقب غير المباشرة وغير المقصودة للسماح بتلك النوبات، خاصة أنها تجعلهم يتعرضون لمخاطر بسبب «النعاس السلبي» (انظر الفصل التاسع).
لا يقتصر تأثير اضطراب النوم على الأطباء ومقدمي الرعاية الصحية فقط. فإن نوم المرضى داخل المستشفيات سيئ بشكل واضح، وعلى الرغم من أن النوم السيئ والقصير يمكن أن يؤثر على وظائف الجهاز المناعي ويرتبط بشكل كبير بزيادة خطر الإصابة بالأمراض (انظر الفصل السادس)، فمن المثير للدهشة عدم بذل مزيد من الجهود لتحسين البيئة الملائمة للنوم داخل المستشفيات. فحتى التحسينات البسيطة يمكن أن يكون لها تأثيرات إيجابية على تجربة المريض داخل المستشفى وقدرته على الشفاء. ومن الخطوات البسيطة في هذا الشأن وضع النوم في الاعتبار عند جدولة الأحداث الطبية؛ فعلى سبيل المثال، يتم إيقاظ الكثير من المرضى مبكرًا دون وجود ضرورة لذلك. ويمكن لفترة من الراحة الهادئة وذات الإضاءة الخافتة أن تساعد المرضى على أخذ إغفاءة. وكذلك يجب إعادة النظر في أمر الضوضاء، والإضاءة، ودرجة حرارة الغرفة ليلًا لمساعدة المرضى على النوم بصورة أفضل، كما أن الحرص على تعرض المرضى لدورة ضوء وظلام مناسبة من شأنه أن يحسن من نوعية النوم والاستيقاظ لديهم (انظر الفصل الخامس)؛ فقد ثَبت أن التعرض المخطط لقدْر مناسب من ضوء النهار يحسن من معدلات تعافي المرضى ونتائج علاجهم. وتمتد تلك الاعتبارات إلى مؤسسات أخرى مثل دور الرعاية، والسجون، والمدارس الداخلية.
(٥) النوم والمجتمع
يتأثر النوم بالعديد من العوامل «المجتمعية» مثل الأطفال، والحيوانات الأليفة، والتلوث الضوضائي، والتلوث الضوئي، ودرجة الحرارة، ونوع السرير، والألم، والتوقيت الصيفي، والجنس، ومَن يشاركك السرير، ونوع الشخصية من حيث كونها نهارية أو ليلية، والوضع الاجتماعي والاقتصادي، والعمل، والهوايات، والكحوليات، والمخدرات، والأدوية، والتمارين الرياضية، والتليفزيون والراديو وأجهزة الكمبيوتر والهواتف … والقائمة تطول. بعض هذه العوامل يمكن أن تكون بسيطة نسبيًّا ويسهل التعامل معها على المستوى الفردي؛ على سبيل المثال: استخدام ستائر معتمة أو ارتداء قناع العينين، واستخدام سدادات الأذن، وارتداء جوارب النوم، وإخراج التليفزيون والراديو والكمبيوتر، والهاتف، والحيوانات الأليفة من غرفة النوم، والتقليل من شرب الكحول، وممارسة التمارين الرياضية في وقت مبكر، والذهاب إلى الفراش مبكرًا. ولا بأس في نوم الزوجين في سريرين منفصلين، أو حتى غرفتين منفصلتين، لو كان ذلك يعني نومًا أفضل بالنسبة إليهما.
بعض العوامل تتطلب حلولًا أكثر صعوبة وشمولًا، كما تتطلب توعية أكبر للناس ورغبة سياسية لإحداث تغييرات. على سبيل المثال، قد يكون للتلوث الضوئي آثار ضارة على نوم وصحة الإنسان، ومن شأن تقليل التلوث الضوئي أيضًا أن يحقق مكاسب هائلة في مجال توفير الطاقة، وتحسين بقاء العديد من الأنواع الأخرى، علاوة على السماح لنا بالاستمتاع ببهاء وروعة السماء ليلًا. هناك حلول بسيطة في هذا الشأن مثل توجيه المصابيح لأسفل، وليس لأعلى، أو استخدام مؤقتات ومجسات للحركة، أو الاستعانة بمصابيح ذات أنواع وقوة مناسبة، أو حتى مجرد إطفاء الأنوار عند عدم الحاجة إليها. كما أن مطالبة الشركات بتقليل التلوث الضوضائي الذي تسببه، أو تقليل الأوقات التي يبدأ أو ينتهي فيها العمل الذي يسبب ضوضاء، له تأثير ضئيل على عجلة الإنتاج ولكن فوائده بالنسبة إلى المجتمع هائلة. يجب زيادة التركيز على حماية النوم، وأحيانًا قد يتطلب الأمر الحفاظ على الصحة العامة أكثر من مصلحة الفرد؛ على سبيل المثال: كم عدد الأفراد الذين يُقلِق نومَهم أجهزةُ إنذار السيارات كل ليلة، مع العلم أن معظمها يُدوِّي بلا داعٍ؟ بمقدور المصنِّعين جعل سياراتهم أقل حساسية لحماية نومنا، وهو ما قد يكون أكثر فائدة للمجتمع من حدوث زيادة طفيفة في معدل سرقة السيارات. ورغم أن المكاسب المالية تدفع شركات الطيران لإطلاق المزيد والمزيد من رحلات الطيران الليلية، فهل من الضروري حقًّا نقل بضعة آلاف من الناس في حين أن عدة آلاف غيرهم يتضررون على نحو كبير من ضجيج الطائرات كل ليلة؟ وبعد أن نفقد ساعة من النوم عند التحول إلى التوقيت الصيفي، فإن معدل حوادث السيارات يزداد بنسبة ٢٠٪ ويرتفع خطر الإصابة بنوبة قلبية بنسبة ٥٪، فهل الأمر يستحق كل هذا العناء، بالمقارنة مع مكاسب التحول إلى التوقيت الصيفي؟ هل نحن حقًّا بحاجة إلى الإضاءة الكاملة لمواقف السيارات والمناطق الصناعية، والمباني الإدارية، والحدائق الخلفية في حين أن الفوائد المتعلقة بسلامة الأفراد ضئيلة للغاية؟ هل نحن بحاجة حقًّا لفتح المتاجر الكبرى على مدار ٢٤ ساعة؟ هل نحن بحاجة حقًّا لمشاهدة التليفزيون على مدار ٢٤ ساعة؟ كيف كان حالنا من قبل؟
جزء من فشل المجتمع في إدراك أهمية النوم وحمايته يرجع إلى عدم تدريس الأرق واضطرابات النوم في كليات الطب والتمريض. ورغم اعتماد طب النوم الآن كتخصص طبي مستقل في الولايات المتحدة، فإن هذا ليس هو الحال في أماكن أخرى، حيث يتشتت مقدمو الرعاية الصحية المهتمون بالنوم بين العديد من التخصصات مثل طب الجهاز التنفسي، طب الأعصاب، والتخدير، والطب النفسي، وعلم النفس، وطب الأسنان، مع عدم وجود اتساق فيما يتعلق بتدريبهم، وتشخيصهم، وعلاجهم المتعلق بمشاكل النوم. وفي حين أن بعض كليات الطب قد اعتمدت مناهج دراسية في طب النوم، فإن المستوى العام لفهم النوم وتدريسه من قِبَل الأطباء لا يزال ضعيفًا، خصوصًا أن مشاكل النوم واحدة من الشكاوى الرئيسية التي يسمعها الممارسون العامون من المرضى. نحن في حاجة إلى قضاء ثلث حياتنا في النوم، ولكن لم يتم إعداد الأطباء على نحو جيد لمساعدتنا على القيام بذلك؛ ومن ثم فنحن بحاجة إلى نهج متكامل ومتخصص للتدريب في طب النوم، خاصةً مع اتساع تأثير اضطرابات النوم على الصحة والمجتمع.
هناك بعض العوامل «المجتمعية» التي يصعب التعامل معها، فهناك اختلافات بين الجنسين في كيفية النوم وكيفية النظر إلى مشاكل النوم (انظر الفصل السادس). وقد تم اكتشاف عدد من الجينات ترتبط بتوقيت النوم ومدته، وهذه العوامل الداخلية تساعد على تحديد إن كان من طبيعتنا أن ننام لفترة قصيرة أو طويلة، أو إن كنا نفضل الاستيقاظ مبكرًا أم الذهاب إلى الفراش في وقت متأخر، مع احتمال تسبب النقطة الأخيرة في مشكلة إذا كان زوجان يأويان إلى فراشهما في أوقات مختلفة. كما أن للأطفال تأثيرًا هائلًا على نوم الوالدين، ويمكن أن يستمر لسنوات عديدة. لا توجد حلول سهلة للتعامل مع هذه العوامل، ولكن الوعي بأهمية النوم، واتباع تفضيلات النوم الخاصة بك حيثما أمكن، قد يساعد في زيادة أولوية النوم في حياتك، أو حياة أسرتك، أو حياة موظفيك. ومواجهة تحدي زيادة أولوية النوم في حياتك عامل أساسي لنجاح مجتمعنا ويتطلب نهجًا مدروسًا لتحقيق التوازن بين المسائل الاقتصادية والأسرية والصحية. وفي ظل وجود قيادة تقدمية من قِبَل الأفراد والمؤسسات، يمكن للمجتمع التراجع عن العديد من المفاهيم الخاطئة عن النوم ودعم نمط حياة يعطي للنوم أولوية كبرى.