معرفة النَّفْس
ثمَّ قال له رجل: هات حدِّثنا عن معرفة النَّفْس.
فأجاب قائلًا:
إنَّ قلوبكم تعرف في السَّكِينَة أسرار الأيام والليالي.
ولكن آذانكم تتشوق لسماع صوت هذه المعرفة الهابطة على قلوبكم.
غير أنكم تودُّون لو تعرفون بالألفاظ والعبارات ما تعرفونه بالأفكار
والتأملات.
وتتوقون إلى أن تلمسوا بأصابعكم جسد أحلامكم العاري.
•••
وحسن أنَّكم تتوقون إلى جميع ذلك.
فإنَّ الينبوع الكامن في أعماق نفوسكم سيتفجَّر يومًا ما ويجري منحدرًا إلى
البحر.
والكنز المطمور في أعماقكم غير المتناهية سيُنقب في ساعة لا تعلمونها وتفتح
أبوابه أمام عيونكم.
ولكن حذارِ أن تأخذوا معكم موازينكم لكي تَزِنوا بها كنزكم غير المعروف.
كلا، ولا تسبروا غور معرفتكم بقياس محدود أو حبل مشدود؛ لأن الذات بحر لا وزن ولا
قياس له.
•••
أجل، ولا تقل في ذاتك: «قد وجدت الحق»، بل قل بالأحرى: «قد وجدت حقًّا.»
ولا تقل: «قد وجدت طريق النَّفْس»، بل قل بالأولى: «قد رأيت النَّفْس تمشي على
طريقي.»
لأنَّ النَّفْس تمشي على جميع المسالك والطرق.
النَّفْس لا تمشي على حبل أو خيط، كلا، ولا هي تنمو كالقصبة.
النَّفْس تطوي ذاتها، كالبشنين١ ذي البتلات التي لا يُحصى عديدها.
١
البشنين: نبات يقوم على ساق ولا ورق له، ويسميه المصريون عرائس
النيل.