الْمِطْرَة
وحدث إذ ذاك أن امرأة عرَّافة خَرَجت من المقدس، اسمها الْمِطْرَة.
فنظر إليها نظرةً ملؤها الحب والحنان؛ لأنها كانت أول من سعى إليه وآمن به مع أنه لم يكن له إلا ليلة وضحاها في مدينتهم.
فحيته باحترام وقالت له:
يا نبي الله، قد طالما كنت تسعى وراء ضالتك المنشودة، مفتِّشًا عن سفينتك التي
كانت بعيدة عنك.
وها قد وصلت سفينتك، ولم يبقَ من بُدٍّ لسفرك.
عظيمٌ هو حنينك إلى أرض أحلامك وتذكاراتك، ومواطن الفائقات من رغباتك؛ ولذلك فإن
محبتنا لا تقيدك، وحاجتنا إليك لا تُمسك بك،
ولكننا واحدة نسألك قبل أن تفارقنا:
أن تخطب فينا وتعطينا من الحق الذي عندك،
ونحن نعطيه لأولادنا، وأولادنا لأولادهم وحفدتهم، وهكذا يثبت كلامك فينا على ممر
العصور.
ففي وحدتك كنت ترقب أيامنا، وفي يقظتك كنت تصغي إلى بكائنا وضحكنا في
غفلتنا؛
لذلك نضرع إليك أن تكشف مكنوناتنا لذواتنا، وتخبرنا بكل ما أُظْهِرَ لك من أسرار
الحياة من المهد إلى اللحد.
فأجاب قائلًا:
يا أبناء أورفليس، بماذا أحدِّثكم إن لم أُظهر لكم ما يختلج في نفوسكم وتتحرك به
ضمائركم حتى في هذه الساعة؟